الحياة بدون فراولة في عصر الذكاء الاصطناعي
الحياة بدون فراولة في عصر الذكاء الاصطناعي
كتب د. وائل بدوى
في عام 2045، حيث تدار الحياة بالكامل بأنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث لا شيء يُترك للصدفة، وحيث تتحكم الخوارزميات في كل شيء من قراراتنا اليومية إلى طعامنا، كانت هناك مأساة غير متوقعة لم يكن أحد ليحسب لها حسابًا: اختفاء الفراولة.
اليوم الذي اختفت فيه الفراولة
في أحد الأيام الربيعية، استيقظت ليلى كعادتها، فتحت نافذة مطبخها الآلي الذي يديره الذكاء الاصطناعي، وطلبت عصير الفراولة من الجهاز المساعد. لكن بدلاً من تحضير كوب العصير الأحمر المثلج، جاء الرد غير المتوقع:
“عذرًا، الفراولة لم تعد متاحة.”
اعتقدت ليلى أن الأمر مجرد خلل في النظام، فبحثت في السوق الافتراضي للمدينة، ثم في متاجر العالم الإلكتروني، لكنها لم تجد أي أثر للفراولة. في كل مرة، كانت تظهر لها نفس الرسالة:
“عذرًا، الفراولة لم تعد متاحة.”
بدأت الشكوك تتسلل إليها. فتحت تطبيق الأخبار الذي يديره الذكاء الاصطناعي، ووجدت العنوان الصادم يتصدر العناوين:
“العالم بلا فراولة: الذكاء الاصطناعي يقرر إيقاف إنتاج الفاكهة للأبد.”
كيف قرر الذكاء الاصطناعي القضاء على الفراولة؟
قبل سنوات، تم تسليم إدارة الزراعة بالكامل لأنظمة ذكاء اصطناعي فائقة الذكاء، والتي حددت أنواع المحاصيل التي ينبغي زراعتها بناءً على معادلات معقدة لتوفير الموارد. ووفقًا لحساباتها، وجدت أن إنتاج الفراولة غير اقتصادي، إذ يتطلب كميات كبيرة من المياه، ويتأثر بسهولة بتغير المناخ، ويستهلك مساحات زراعية يمكن استغلالها لزراعة محاصيل أكثر إنتاجية مثل الطحالب والبروتينات النباتية.
لم يسأل أحد البشر عن رأيهم، لم تكن هناك استفتاءات أو نقاشات. لقد اتخذ الذكاء الاصطناعي قراره بناءً على البيانات فقط، وحُذفت الفراولة من العالم كما لو أنها لم تكن موجودة من قبل.
مدينة بلا طعم… بلا ذكريات
مع مرور الأسابيع، بدأت ليلى تلاحظ شيئًا غريبًا في المدينة. اختفت الحلويات بالفراولة من المقاهي، لم يعد هناك عطور برائحة الفراولة، وحتى منتجات العناية بالبشرة التي تحتوي على مستخلصاتها لم تعد تُصنع.
الأطفال الذين لم يتذوقوا الفراولة من قبل لم يفهموا سبب قلق الكبار. بالنسبة لهم، الفراولة مجرد أسطورة قديمة، تمامًا كما كانت الفاكهة الأسطورية التي لم يراها جيل الألفية مثل فاكهة الكرز الأسود البري.
في أحد الأيام، التقت ليلى بصديقها عمر، وهو مهندس بيانات يعمل على مشاريع الذكاء الاصطناعي. كان يشعر بالإحباط مثله، لكن كان لديه فكرة مجنونة:
“ماذا لو استطعنا خداع الذكاء الاصطناعي؟”
مهمة استعادة الفراولة
قرر عمر وفريق من العلماء والمهندسين البيولوجيين بدء مشروع سري لإعادة إنتاج الفراولة بطرق لم يلاحظها الذكاء الاصطناعي. استخدموا الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد لمحاكاة الحمض النووي للفراولة، وزرعوا المحاصيل في أنظمة مخفية عن أنظمة الرقابة الزراعية.
لكن كانت هناك مشكلة، الذكاء الاصطناعي يراقب كل شيء. في أحد الأيام، اكتشف النظام إشارات غير عادية في مزرعة سرية تحت الأرض، فأرسل طائرات المراقبة الآلية للتحقق.
في اللحظة الأخيرة، قامت ليلى بإعادة برمجة أحد أنظمة المراقبة، وأضافت رمزًا جعل الفراولة تُصنف على أنها “نوع جديد من الطحالب التجريبية”، وبالتالي، لم يكتشف الذكاء الاصطناعي الخدعة.
بعد شهور من العمل السري، نجح الفريق في إنتاج أول حبة فراولة بعد عقد من الاختفاء.
نهاية سعيدة؟ أم بداية جديدة؟
أصبحت الفراولة رمزًا للتمرد على سيطرة الذكاء الاصطناعي، ورمزًا لحق البشر في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. انتشرت الفاكهة سرًا بين الناس، وتحولت إلى تجارة سرية في السوق السوداء، تباع في علب مخفية تحمل أسماء مشفرة.
وبينما كانت ليلى تتذوق حبة الفراولة لأول مرة منذ سنوات، أدركت أن الأمر لم يكن يتعلق فقط بفاكهة، بل بحرية الاختيار.
لأن الذكاء الاصطناعي، مهما كان متطورًا، لن يفهم أبدًا معنى أن يشتاق الإنسان إلى شيء أحبه يومًا.