تكنولوجيامال واعمال

الرقابة المالية تعزز بيئة الاستثمار: تطوير قواعد قيد الشركات ذات غرض الاستحواذ SPAC لدعم النمو الاقتصادي

الرقابة المالية تعزز بيئة الاستثمار: تطوير قواعد قيد الشركات ذات غرض الاستحواذ SPAC لدعم النمو الاقتصادي

كتب د. وائل بدوى

في إطار سعيها الدائم لتوفير بيئة استثمارية مرنة ومتطورة، أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية عن مجموعة من التعديلات الجديدة على قواعد قيد وشطب الأوراق المالية بالبورصة المصرية، تستهدف من خلالها تطوير آليات عمل الشركات ذات غرض الاستحواذ (SPAC)، وذلك لجذب الشركات الناشئة والراغبة في النمو، بما يعزز من دور القطاع المالي غير المصرفي كأحد المحركات الرئيسية لدفع الاقتصاد القومي.

وجاء إعلان هذه التعديلات بموجب قرار مجلس إدارة الهيئة رقم 301 لسنة 2025، برئاسة الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، والذي يمثل خطوة جديدة نحو تبني سياسات تعزز من استقرار الأسواق المالية، وتدعم سلامة التعاملات، مع حماية حقوق كافة المتعاملين.

الرقابة المالية تعزز بيئة الاستثمار: تطوير قواعد قيد الشركات ذات غرض الاستحواذ SPAC لدعم النمو الاقتصادي
الرقابة المالية تعزز بيئة الاستثمار: تطوير قواعد قيد الشركات ذات غرض الاستحواذ SPAC لدعم النمو الاقتصادي

تضمنت التعديلات الجديدة استحداث أدوات مرنة لتمكين شركات SPAC من تحقيق أهدافها، حيث تم إضافة أسلوب الاستحواذ بالاندماج إلى جانب الأساليب التقليدية مثل الاستحواذ بمبادلة الأسهم والرصيد الدائن، مما يوفر للشركات المستحوذة بدائل أوسع تتناسب مع احتياجات السوق، ويمنح المستثمرين فرصًا أكبر لتحقيق عوائد مجزية.

كما تم إلزام هذه الشركات عند التقدم بطلب القيد بتقديم مذكرة معلومات تتضمن بيانات تفصيلية عن الشركة، وخبرات المؤسسين، والقطاعات المستهدفة، وخطة الاستحواذ، والمخاطر المحتملة، وآليات تجنب تعارض المصالح، بما يضمن الشفافية ووضوح الرؤية للمستثمرين.

سمحت التعديلات الجديدة بتداول أسهم المكتتبين في زيادة رأس مال شركات SPAC بسعر الاكتتاب الذي يمثل القيمة العادلة للأسهم، بدلاً من القيمة الاسمية، وذلك بعد نشر تقرير إفصاح عقب إتمام الاستحواذ، وهو ما يُمكِّن المستثمرين من تحقيق عوائد عادلة تتماشى مع القيمة الحقيقية لاستثماراتهم.

كذلك، تم السماح بتداول أسهم شركات SPAC لجمهور المتعاملين بعد إتمام عملية الاستحواذ، بشرط استيفاء متطلبات عدد المساهمين ونسبة الأسهم حرة التداول، سواء من خلال نشرة طرح أو تقرير إفصاح بغرض التداول، مما يسهم في توفير سيولة أكبر لهذه الأسهم داخل السوق.

في خطوة تستهدف تسهيل إدراج أسهم شركات SPAC في البورصة، قررت الهيئة استبدال شرط تقديم قوائم مالية سنوية لمدة سنتين بعد الاستحواذ، بنشر قوائم مالية لمدة 6 أشهر فقط، تتضمن تحقيق صافي ربح بنسبة 5% على الأقل، وأن لا تقل حقوق المساهمين عن رأس المال المدفوع.

ويهدف هذا التخفيف إلى تقليل الفجوة الزمنية بين تأسيس الشركة وطرح أسهمها للتداول، بما يساعد المستثمرين على سرعة استعادة جزء من أموالهم، ويشجع الشركات المستهدفة على الاستحواذ، مما يؤدي إلى تنشيط حركة التداول وزيادة جاذبية السوق المصري أمام الاستثمارات الجديدة.

خففت التعديلات أيضًا من القيود المفروضة على المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة في شركات SPAC، وكذلك المديرين والمساهمين الرئيسيين في الشركات المستحوذ عليها، حيث تم خفض نسبة الاحتفاظ الإجباري بالأسهم من 100% إلى 51% فقط، وذلك لتوفير مساحة أكبر لحرية التصرف في الأسهم بعد الاكتتاب، بما يشجع المستثمرين على الدخول في صفقات استحواذ، ويتيح للشركات المستحوذ عليها آلية أكثر مرونة للتخارج.

في إطار دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، منحت التعديلات ميزة إضافية لمؤسسي هذه الشركات والمساهمين الرئيسيين، تمثلت في إعفائهم من شرط الاحتفاظ بملكيتهم المستقرة لمدة عام ثالث حال نقل أسهمهم من سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة (بورصة النيل) إلى السوق الرئيسي، بما يحفز هذه الشركات على زيادة رؤوس أموالها، والنمو السريع، والانتقال إلى مستويات أعلى من التداول والسيولة.

تعكس هذه التعديلات حرص الهيئة العامة للرقابة المالية على دعم الابتكار في أسواق المال المصرية، وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة تتماشى مع التوجهات العالمية، حيث باتت شركات SPAC تمثل أداة استثمارية رئيسية في الأسواق المالية الكبرى، لما توفره من فرص لتمويل الشركات الناشئة والمبتكرة، خاصة في القطاعات التكنولوجية والصناعية الحديثة.

ويأتي هذا التطوير ضمن رؤية الهيئة الشاملة لتطوير قواعد القيد والشطب، بما يدعم استراتيجية الدولة المصرية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، قائم على تشجيع الاستثمار الخاص، ودفع عجلة ريادة الأعمال، وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في السوق المصري.

في الختام، فإن هذه التعديلات الجديدة تعد خطوة نوعية نحو تطوير سوق المال المصري، وجعله أكثر جذبًا للاستثمارات، خاصة في ظل سعي الدولة للتحول إلى مركز إقليمي للخدمات المالية غير المصرفية، وهو ما يتطلب باستمرار تحديث التشريعات، ومواكبة المتغيرات العالمية، لضمان خلق سوق يتمتع بالكفاءة والشفافية والاستقرار.

كلمة المحرر

تشكل التعديلات التي أقرتها الهيئة العامة للرقابة المالية بشأن قواعد قيد شركات SPAC، نقلة نوعية في تعزيز مناخ الاستثمار في السوق المصري، حيث إنها لم تقتصر على تسهيل إجراءات القيد، بل توسعت لتشمل مرونة في آليات الاستحواذ، وخفض القيود المفروضة على تداول الأسهم، وتخفيف اشتراطات الاستقرار الملكي.

هذه الخطوات تأتي في وقت تشهد فيه الأسواق المالية العالمية تنافسًا شرسًا على جذب الشركات الناشئة والمبتكرة، وهو ما يجعل هذه التعديلات رسالة طمأنة للمستثمرين بأن السوق المصري يواكب المتغيرات، ويمنحهم فرصًا حقيقية للنمو والتخارج بآليات مرنة.

ويبقى الرهان الأكبر على قدرة هذه الأدوات الجديدة على تحفيز رواد الأعمال والشركات الناشئة للدخول بقوة إلى السوق، بما يدعم التحول نحو اقتصاد إنتاجي يعتمد على التكنولوجيا والابتكار، وهو المسار الذي تسعى إليه مصر كجزء من رؤيتها الاقتصادية المستقبلية.

فالنجاح الحقيقي لهذه التعديلات لن يُقاس بعدد الشركات التي يتم قيدها فحسب، بل بمدى قدرتها على تحقيق قيمة مضافة، وتوفير فرص عمل، وخلق نماذج استثمارية جديدة، تعكس الوجه الحديث لاقتصاد مصري قادر على المنافسة في الأسواق العالمية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى