العصابة.. محاكمة شات جي بي تي: الذكاء الاصطناعي أمام المحكمة الأدبية
كتب د. وائل بدوى
في عالمٍ يتسارع فيه التطور التكنولوجي، يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي كأحد أكثر الابتكارات إثارةً للجدل. بين الإعجاب بقدراته والخوف من تداعياته، يطل علينا المهندس زياد عبد التواب بكتابه الجديد “العصابة: محاكمة شات جي بي تي”، الذي يسلط الضوء على هذه التقنية من منظورٍ غير تقليدي، عبر جلسة محاكمة أدبية للذكاء الاصطناعي الأشهر في العالم.
صدر الكتاب بالتزامن مع الدورة السادسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عن مؤسسة بتانة الثقافية، ليطرح قضية الذكاء الاصطناعي ليس فقط كتقنية، بل كـ”متهم” في قفص الاتهام، يُحاكم بتهم عدة، منها الانحياز، ترويج الأخبار الكاذبة، انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والتأثير السلبي على قدرات الإنسان العقلية والذهنية. فهل هو مذنب حقًا؟ أم أنه “المفترى عليه” كما يشير الكاتب؟
بين الاتهام والدفاع: الذكاء الاصطناعي على طاولة النقد
ينطلق الكتاب من رؤية نقدية تُحاكي جلسة محاكمة، حيث يتقمص الكاتب دور القاضي والمحقق والمحامي في آنٍ واحد، ليطرح الأسئلة الحاسمة حول طبيعة الذكاء الاصطناعي وتأثيره.
١. الذكاء الاصطناعي: أداة إبداعية أم خطر داهم؟
يبدأ الكتاب بالتعريف بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل شات جي بي تي، والتي ظهرت لأول مرة في 30 نوفمبر 2022، وأحدثت صدمة في الأوساط التكنولوجية والثقافية. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد آلة قادرة على الحسابات، بل أصبح “كاتبا”، “شاعرا”، “محللا”، “مستشارا”، بل وحتى “مؤرخا” يعيد بناء الأحداث بأسلوبه الخاص. وهنا يطرح الكاتب سؤالًا جوهريًا: هل يمكننا الوثوق بهذه الأدوات؟
٢. هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا للوظائف البشرية؟
مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بات هناك خوف من استبدال البشر بالآلات الذكية، سواء في الإعلام، أو البحث العلمي، أو حتى في الإبداع الأدبي والفني. يناقش الكتاب هذه المخاوف من خلال نماذج واقعية، موضحًا كيف يمكن لهذه الأدوات أن تكون مفيدة، ولكن أيضًا كيف قد تساهم في تهميش العقل البشري وتقليل الحاجة إلى التفكير النقدي.
٣. هل الذكاء الاصطناعي منحاز؟
يُتهم شات جي بي تي أحيانًا بالتحيز، سواء في اختيار المعلومات أو في صياغة الإجابات، نظرًا لأن بياناته تستند إلى مصادر بشرية قد تحمل تحيزاتها الخاصة. يناقش الكاتب هذه الفكرة، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة محايدة، بل هو انعكاس للبيانات التي تم تغذيته بها، مما يجعله عرضة للأخطاء والانحيازات المجتمعية والسياسية والثقافية.
الصراع الخفي: وراء كواليس الشركات الكبرى
لا يقتصر الكتاب على مناقشة التقنية وتأثيرها، بل يغوص في أعماق الصراع القائم بين الشركات الكبرى المنتجة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل مايكروسوفت، جوجل، ميتا، وشركات صينية ناشئة. يتناول الكتاب المنافسة الشرسة بين هذه الشركات، حيث تسعى كل منها للسيطرة على هذا السوق الجديد، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه التكنولوجيا في ظل الاحتكارات التكنولوجية الكبرى.
الذكاء الاصطناعي في ميزان العدالة: الحكم النهائي؟
يُعد الجزء الأكثر تشويقًا في الكتاب هو الجزء الذي يسرد فيه الكاتب وقائع “المحاكمة”، حيث تُطرح الأدلة وتُقدَّم الشهادات، ويتم فحص الاتهامات الموجهة إلى شات جي بي تي واحدةً تلو الأخرى. هل هو مذنب بقتل الإبداع البشري؟ هل هو مجرد أداة أم أنه كيان رقمي يطمح للسيطرة على العقول؟
ينتهي الكتاب بطرح سؤال مفتوح على القارئ: هل يجب علينا محاكمة الذكاء الاصطناعي أم احتضانه بحذر؟ وهل نحن مستعدون حقًا لعالم يقف فيه الإنسان والآلة وجهًا لوجه في منافسة غير مسبوقة؟
لماذا يجب قراءة هذا الكتاب؟
يتميز كتاب “العصابة: محاكمة شات جي بي تي” بأسلوبه المشوق الذي يجمع بين السرد الأدبي والتحليل العلمي، مما يجعله قراءة ممتعة ومثرية لأي شخص مهتم بالتكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع. من خلال تقديم رؤية نقدية متوازنة، يدعو الكاتب القارئ إلى التفكير العميق في مستقبل الذكاء الاصطناعي، لا كخطر داهم فقط، بل أيضًا كفرصة تستحق الدراسة والاستكشاف.
في النهاية، يبقى الذكاء الاصطناعي “المفترى عليه والمفترى علينا”، وبين هذين النقيضين، تظل هناك أسئلة كثيرة بلا إجابة، تنتظر محاكمات جديدة وأحكامًا نهائية قد تتغير مع مرور الزمن.