اللواء أركان حرب صلاح الدين فهمي محمد حسن نحلة: مسيرة بطل من أعظمك أبطال مصر
كتب د. وائل بدوى
في مثل هذا اليوم، تمر الذكرى الثامنة على رحيل اللواء أركان حرب صلاح الدين فهمي محمد حسن نحلة، أحد أبرز أبطال القوات المسلحة المصرية، الذي ساهم في تحقيق نصر أكتوبر المجيد عام 1973. تلك الذكرى العظيمة لا تقتصر فقط على استذكار إنجازاته العسكرية، بل تحمل أيضًا رسالة وفاء وتقدير لعطاء امتد على مدار عقود في خدمة الوطن.
النشأة والمسيرة التعليمية
وُلد اللواء صلاح الدين فهمي في 4 مايو 1934 في محافظة القاهرة لأسرة ميسورة الحال تتكون من سبعة أبناء، كان هو الثالث بينهم. والده، المهندس فهمي محمد حسن نحلة، كان يعمل مهندسًا للكباري بمدينة طنطا، وترك بصمة واضحة في حياة أبنائه من خلال تشجيعهم على التحصيل العلمي وخدمة الوطن.
بدأ صلاح الدين مسيرته التعليمية بالحصول على الشهادة الابتدائية عام 1947، ثم انتقل إلى طنطا حيث نال شهادة التوجيهية عام 1952. في عام 1953، التحق بالكلية الحربية، ليبدأ رحلة العطاء في صفوف القوات المسلحة، وتخرج منها عام 1956 برتبة ملازم في سلاح المشاة.
زملاؤه في الكفاح
كان من دفعة اللواء صلاح الدين فهمي العديد من الشخصيات البارزة التي تركت بصمة في التاريخ العسكري المصري، منهم المشير محمد حسين طنطاوي والفريق صلاح حلبي، وكلاهما قادا كتائب مشاة في حرب أكتوبر. كما ضمت دفعته نخبة من القادة الذين شاركوا في صياغة نصر أكتوبر، مثل اللواء محمد حسن الكسار واللواء ناجي عبده الجندي وغيرهم.
البداية العسكرية والمشاركة في الحروب
شارك الملازم صلاح فهمي في حرب العدوان الثلاثي عام 1956 فور تخرجه من الكلية الحربية، مما شكّل نقطة انطلاق لمسيرة مميزة في صفوف القوات المسلحة. خدم بعد ذلك في اليمن عام 1963، حيث أثبت كفاءته وحصل على ترقية استثنائية. عند اندلاع نكسة يونيو 1967، كان يخدم في اليمن ولم يشارك في العمليات، لكنه عاد بعدها ليواصل تطوير مهاراته العسكرية، فحصل على دورة أركان حرب وعمل مدرسًا بكلية القادة والأركان.
الدور المحوري في حرب أكتوبر
في عام 1969، انضم العقيد صلاح فهمي إلى هيئة عمليات القوات المسلحة، حيث تولى مسؤوليات التخطيط الاستراتيجي. خلال حرب الاستنزاف، ساهم في إعداد خطط العمليات التعرضية شرق القناة، ما مهّد الطريق للانتصار الكبير في أكتوبر 1973.
أحد أبرز إنجازاته خلال الحرب كان تحديد موعد الهجوم المصري على خط بارليف. استند في قراره على دراسات دقيقة شملت مواعيد الأعياد اليهودية، حسابات الليل والنهار، وتوقيتات ردود الفعل الإسرائيلية. بناءً على هذه المعطيات، اختار العقيد صلاح فهمي يوم السبت 6 أكتوبر 1973 في الساعة الثانية ظهرًا كموعد للهجوم. كتب تقريره النهائي في كراسة دراسية خاصة بابنته حنان، وقدّمه إلى اللواء الجمسي الذي نقله بدوره إلى الرئيس أنور السادات، فحُدد موعد الحرب بناءً على توصياته.
التكريم والعمل بعد الحرب
بعد نصر أكتوبر، كُرّم العقيد صلاح فهمي من قبل الرئيس السادات، وتم تعيينه رئيسًا لفرع التخطيط بهيئة عمليات القوات المسلحة في ديسمبر 1973. كما شارك في مفاوضات الكيلو 101 لفك الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية عام 1974، حيث لعب دورًا بارزًا في إدارة التفاوض.
رغم تاريخه المشرف، لم تخلو مسيرته من التحديات. في عام 1980، عبّر عن رأيه بشأن الثغرة في حرب أكتوبر، منصفًا الفريق سعد الشاذلي، وهو الموقف الذي لم يلقَ استحسان القيادة السياسية آنذاك. أدى ذلك إلى نقله إلى منصب آخر في البحر الأحمر، لكنه رفض، وخرج إلى التقاعد عام 1981.
الحياة بعد التقاعد
بعد تقاعده، لم يتوقف اللواء صلاح فهمي عن العطاء. أسس جمعية أحمد عرابي للاستصلاح الزراعي، وكان مهتمًا بالزراعة وتربية الحيوانات. ظل نموذجًا للإنسان الذي يضع خدمة الوطن نصب عينيه حتى في سنواته الأخيرة.
الأوسمة والنياشين
نال اللواء صلاح فهمي العديد من الأوسمة والنياشين تقديرًا لخدماته الجليلة، منها وسام النجمة العسكرية، نوط النصر، نوط الشجاعة العسكري، ميدالية 6 أكتوبر التذكارية، وغيرها من الأوسمة التي تعكس عظمة عطائه العسكري.
حياته الشخصية
تزوج اللواء صلاح فهمي عام 1960 من السيدة فوزية سالم، ورُزق بأربعة أبناء: دكتورة سلوى، المهندسة حنان، ورجلي الأعمال حسام وأيمن. استمر زواجهما لمدة 57 عامًا، ليكون نموذجًا للأسرة المصرية المترابطة.
الرحيل
في 14 يناير 2017، رحل اللواء صلاح فهمي عن عالمنا عن عمر ناهز 83 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا من البطولة والعطاء. عاش حياة حافلة بالمجد وخدمة الوطن، وكان مثالًا للضابط المصري الذي أخلص لوطنه حتى آخر يوم في حياته.
دروس من حياة اللواء صلاح الدين فهمي نحلة
تمثل حياة اللواء صلاح الدين فهمي محمد حسن نحلة دروسًا ملهمة للأجيال الحالية والقادمة، حيث امتزجت فيها الوطنية بالتفاني، والعلم بالعمل، والشجاعة بالإنسانية. ومن بين أبرز الدروس التي يمكن استخلاصها من حياته:
1.الإخلاص في أداء الواجب
كان اللواء صلاح فهمي نموذجًا للجندي المخلص الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. سواء كان ذلك في التخطيط الدقيق للحرب، أو في الالتزام الصارم بالمعايير العسكرية، كان دائمًا حاضرًا في الصفوف الأمامية لتحقيق النصر.
2.أهمية التخطيط الاستراتيجي
أظهر اللواء صلاح فهمي كيف يمكن للتخطيط المحكم أن يغير مسار الأحداث. قراره بتحديد توقيت الهجوم في حرب أكتوبر بناءً على دراسات علمية دقيقة يعكس قيمة المعرفة والتحليل الاستراتيجي في تحقيق الأهداف.
3.العدل في الحكم على الآخرين
موقفه من إنصاف الفريق سعد الشاذلي، رغم ما قد يكلفه ذلك من تبعات، يُبرز أهمية الشجاعة الأخلاقية والإنصاف، وهي صفات ضرورية لكل قائد.
4.القدرة على مواجهة التحديات
حتى بعد التقاعد، واصل اللواء صلاح فهمي عطاءه للوطن من خلال استصلاح الأراضي والمشاركة في التنمية الزراعية، مؤكدًا أن خدمة الوطن لا تنتهي بانتهاء الوظيفة العسكرية.
5.الأسرة والدعم الاجتماعي
لعبت الأسرة دورًا محوريًا في حياة اللواء صلاح فهمي، حيث كان زوجًا وأبًا محبًا، يدعم أبناءه ليحققوا نجاحاتهم الخاصة. هذا يعكس أهمية التوازن بين العمل والمسؤوليات الأسرية.
6.التواضع والعطاء
رغم حصوله على العديد من الأوسمة والنياشين، ظل اللواء صلاح فهمي متواضعًا، يعمل بصمت ويكرّس حياته لخدمة وطنه. لقد أثبت أن العظمة الحقيقية تكمن في العطاء المستمر دون انتظار مقابل.
إرث خالد في ذاكرة الوطن
لن تُنسى تضحيات وإنجازات اللواء صلاح فهمي نحلة، فقد كان أحد أعمدة القوات المسلحة الذين ساهموا في صنع تاريخ مصر الحديث. إرثه لا يقتصر على الانتصارات العسكرية، بل يمتد ليشمل القيم الإنسانية والوطنية التي عاش بها. إن تخليد ذكراه هو واجب وطني يُجدد العهد على السير على خطى هؤلاء الأبطال.
ختامًا
بين صفحات التاريخ، تظل أسماء القادة الكبار مثل اللواء صلاح فهمي نحلة مضيئة تُلهم الأجيال. إنه نموذج نادر للوطني الذي آمن بوطنه وعمل بلا كلل لتحقيق أهدافه. لروحه السلام، ولذكراه الخلود، ولنا الدروس والعبر لنستكمل بها مسيرة البناء والنهوض بوطننا الحبيب.