المحكمة العليا البريطانية تقرر أن الآلات الذكية لا يمكن أن تكون مخترعة
كتب د وائل بدوى.
في قرار حاسم ومنتظر قبل عيد الميلاد مباشرة، وفي ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣، أكدت المحكمة العليا البريطانية بالإجماع في قضية “ثالر ضد المراقب العام لبراءات الاختراع والتصاميم والعلامات التجارية” [2023] UKSC 49 أن آلة الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تُسمى كمخترع في إطار قانون براءات الاختراع البريطاني لعام 1977. في عام 2018، قدم الدكتور ثالر طلبين لبراءة اختراع في المملكة المتحدة، حيث كانت الطلبات تشير إلى أن الاختراعات تم توليدها بواسطة آلة تُدعى “دابوس”، تعمل بشكل مستقل وبالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. أكد الدكتور ثالر أنه بصفته مالك دابوس، له الحق في التقدم لبراءات الاختراع هذه.
اعتبرت المحكمة العليا أن مفهوم “المخترع” في القانون لا يمتد ليشمل آلات الذكاء الاصطناعي مثل دابوس. كانت هذه النتيجة متوقعة، مع التأكيد على أن القضية لم تكن حول ما إذا كان يجب أن تكون الابتكارات التقنية التي تولدها آلات الذكاء الاصطناعي قابلة للبراءة، وإنما كانت حول التفسير والتطبيق الصحيح لقانون البراءات. وأشارت المحكمة أيضًا إلى أهمية النظر في الأسئلة السياسية المتعلقة بهذا الموضوع نظرًا للتقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
**الخلفية**
في عام 2019، رفض المكتب البريطاني للملكية الفكرية قبول طلبات براءة الاختراع التي قدمها الدكتور ثالر، بحجة أن القانون يتطلب من المتقدم تحديد الشخص الذي يعتقد أنه المخترع. وبما أن الدكتور ثالر أصر على أن دابوس هو المخترع، فقد قرر المكتب أن دابوس ليس شخصًا وبالتالي ليس مخترعًا.
في عام 2020، رفضت المحكمة العليا استئناف الدكتور ثالر وأيدت قرار المكتب البريطاني للملكية الفكرية، مؤكدةً أن المخترع يجب أن يكون شخصًا قادرًا على امتلاك ونقل الملكية.
في عام 2021، رفضت محكمة الاستئناف أيضًا استئناف ثالر، مع تأكيد أن المخترع يجب أن يكون شخصًا وفقًا لتفسير المحكمة العليا للمادة 7(2) من قانون البراءات.
**الاستئناف إلى المحكمة العليا**
ناقشت المحكمة العليا ثلاث قضايا رئيسية في الاستئناف:
1. ما هو معنى ونطاق “المخترع” في قانون البراءات؟
2. إذا لم يكن دابوس مخترعًا، هل كان الدكتور ثالر مع ذلك مالكًا لأي اختراع تقني أنتجه دابوس ومخولًا للتقدم للحصول على براءة اختراع؟
3. هل كان من حق مسؤول الاستماع أن يقرر أن الطلبات يجب اعتبارها مسحوبة لعدم الوفاء بمتطلبات المادة 13 من قانون البراءات؟
مخ
هذا القرار واضح في أن آلة الذكاء الاصطناعي لا يمكن حاليًا تسميتها كـ”مخترع” ضمن معنى قانون براءات الاختراع البريطاني لعام 1977. أكدت المحكمة العليا أنه من أجل منح براءات الاختراع للاختراعات التي تقوم بها آلات الذكاء الاصطناعي، سيكون من الضروري تعديل قانون البراءات 1977.
بعد صدور الحكم، جادل أحد ممثلي الدكتور ثالر بأن الأمر يعود الآن إلى البرلمان لتغيير القانون للسماح بحماية الاختراعات التي يولدها الذكاء الاصطناعي وجعل المملكة المتحدة منطقة مواتية لاستخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي في البحث والتطوير. هذا القرار، مقترنًا بالنمو الهائل في استخدام الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، من المرجح أن يجدد الدعوات لإعطاء اهتمام دولي لمسألة اختراعات الذكاء الاصطناعي.
أثار هذا القرار، ومع النمو المتسارع في استخدام الذكاء الاصطناعي عبر مختلف قطاعات الاقتصاد، نقاشًا متجددًا حول الحاجة إلى إعادة النظر في تعريف المخترع وفقًا للقوانين الحالية لبراءات الاختراع. كما يلقي الضوء على الأسئلة الأساسية المتعلقة بمفهوم الملكية الفكرية ودور الذكاء الاصطناعي في الابتكار.
من جهة أخرى، هناك توجهات قانونية وأخلاقية تتعلق بمسألة حقوق الملكية الفكرية للابتكارات التي يولدها الذكاء الاصطناعي. يطرح هذا القرار أسئلة حول من يجب أن يحصل على الاعتراف والمكافآت المرتبطة بالابتكارات التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي: هل هو الشخص أو الكيان الذي يمتلك النظام الذكي، أم المطورين الذين صمموا وبرمجوا النظام، أم المجتمع بأكمله الذي يساهم في تقدم التكنولوجيا؟
من الجدير بالذكر أن هذا القرار لا يعتبر نهائيًا بشأن قضية براءات الاختراع والذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، حيث يظل المجال مفتوحًا لتفسيرات وتشريعات مختلفة في دول أخرى. قد يؤدي هذا القرار إلى دفع الباحثين القانونيين وصانعي السياسات لاستكشاف مقاربات جديدة تتواءم مع التطورات التكنولوجية السريعة وتحديات العصر الرقمي.
في نهاية المطاف، يبرز هذا القرار الحاجة إلى نقاش دولي أوسع نطاقًا حول الكيفية التي يمكن بها تحديث الأطر التشريعية والتنظيمية لتعكس التغيرات التكنولوجية، وتحقيق التوازن بين حماية الابتكار وتشجيع التقدم التقني في مجال الذكاء الاصطناعي.