اليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم: رحلة التحدي والإنجاز
![](https://www.elshorouk-news.com/wp-content/uploads/2025/02/8E29C295-D7E5-44D8-8464-ED1E5BF3A176-780x470.webp)
اليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم: رحلة التحدي والإنجاز
كتب د. وائل بدوى
يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم، وهو مناسبة تكرّس للاعتراف بإنجازات المرأة في المجالات العلمية والتكنولوجية، وتسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه النساء في التقدم العلمي رغم التحديات التي تواجههن. على مدار التاريخ، وقفت النساء على الخطوط الأمامية للابتكارات والاكتشافات، لكن الكثير منهن لم ينلن التقدير الذي يستحقنه. اليوم، يتغير المشهد شيئًا فشيئًا بفضل الجهود العالمية لدعم المساواة بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
تم اختيار يوم 11 فبراير ليكون اليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 ديسمبر 2015، وذلك بهدف تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه النساء والفتيات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وتعزيز المساواة بين الجنسين في هذه المجالات.
جاء اختيار هذا اليوم نتيجة لإدراك المجتمع الدولي للفجوة الكبيرة بين الرجال والنساء في العلوم، حيث تواجه الفتيات تحديات عديدة تعيق دخولهن واستمرارهن في التخصصات العلمية. ومن خلال هذا اليوم، تسعى الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو وغيرها من الهيئات العالمية إلى تعزيز مشاركة المرأة في الأبحاث العلمية، وتحفيز الحكومات والمؤسسات الأكاديمية على توفير بيئة تعليمية وعملية داعمة للمرأة في المجال العلمي.
الهدف من تحديد يوم عالمي لهذا الموضوع هو التوعية والتغيير، حيث يتم خلاله تنظيم فعاليات ومؤتمرات تسلط الضوء على إنجازات المرأة في العلوم، وتناقش التحديات التي تواجهها، وتقترح حلولًا لزيادة تمثيلها في البحث العلمي والابتكار.
في مصر، لطالما كانت المرأة شريكًا أساسيًا في النهضة العلمية، حيث برزت أسماء لامعة في مجالات مختلفة. من بين هؤلاء، الدكتورة سميرة موسى، العالمة المصرية الرائدة في مجال الطاقة الذرية، والتي عُرفت بأبحاثها الرائدة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. رغم أن رحلتها انتهت بشكل مأساوي في حادث غامض عام 1952، إلا أن إرثها العلمي ما زال حاضرًا وملهمًا للعديد من الفتيات الطموحات في مصر والعالم العربي.
وفي سياق عالمي، تعد الدكتورة ماري كوري، العالمة البولندية الفرنسية التي حصلت على جائزة نوبل مرتين، رمزًا للمرأة التي تخطت الحواجز العلمية والاجتماعية. لم يكن قبولها في المجتمع العلمي سهلًا، لكنها أصرت على مواصلة أبحاثها في مجال الإشعاع، مما أدى إلى اكتشاف عناصر جديدة، وأسهم في تطوير العلاجات الإشعاعية المستخدمة حتى اليوم.
أما اليوم، فتشهد ساحات البحث العلمي مزيدًا من الإنجازات النسائية، خاصة مع تزايد الاهتمام بتمكين الفتيات ودعمهن لدخول مجالات العلوم. من بين النماذج الملهمة، نجد المصرية الدكتورة غادة عامر، العالمة المتخصصة في الهندسة الكهربائية، والتي صنفت ضمن أقوى 100 امرأة عربية في العلوم. أسهمت أبحاثها في تطوير حلول مبتكرة للطاقة المستدامة، وأصبحت نموذجًا يُحتذى به للأجيال القادمة.
التحديات التي تواجه الفتيات في العلوم ليست مجرد حواجز أكاديمية، بل تتعدى ذلك إلى التحديات المجتمعية والثقافية. لا تزال بعض الأسر، خاصة في المجتمعات المحافظة، ترى أن المجالات العلمية والهندسية ليست ملائمة للمرأة، مما يحدّ من الفرص المتاحة لهن. ورغم ذلك، فإن قصص النجاح التي نراها اليوم تثبت أن الإصرار والعزيمة يمكنهما كسر أي حاجز. ففي 2018، أصبحت الشابة المغربية هدى زويتن أول امرأة عربية تفوز بجائزة “أورانج للمشاريع الاجتماعية” عن ابتكارها التكنولوجي في مجال الصحة، والذي يساعد النساء الحوامل في المناطق الريفية على الوصول إلى الرعاية الطبية بسهولة.
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار الدور المهم للمنظمات العالمية والحكومات في دعم المرأة في العلوم. في السنوات الأخيرة، أطلقت الأمم المتحدة العديد من المبادرات لتشجيع الفتيات على دراسة العلوم، كما تعمل الجامعات والمؤسسات البحثية في مصر والعالم على توفير منح وبرامج تدريبية مخصصة للمرأة، لضمان تحقيق التكافؤ في الفرص العلمية. من بين المبادرات المتميزة، نجد برنامج “لوريال-اليونسكو للنساء في العلوم”، الذي يكرم كل عام العالمات المتميزات في مختلف المجالات العلمية.
اليوم، ونحن نحتفل بهذه المناسبة، من الضروري التأكيد على أن دعم المرأة في العلوم ليس مجرد شعار، بل هو استثمار في المستقبل. عندما تحصل المرأة على الفرصة لتبدع في المجالات العلمية، ينعكس ذلك على المجتمع بأسره. فالعلم ليس حكرًا على جنس أو فئة، بل هو ملك للجميع، وتقدمه يعتمد على مساهمة الجميع دون استثناء.
من هنا، يصبح من الضروري تعزيز ثقافة التوجيه والإرشاد للفتيات، وتوفير بيئة تعليمية تحفزهن على الابتكار والاكتشاف. فمن يدري؟ قد تكون الفتاة التي تجلس الآن في أحد الفصول الدراسية هي العالمة التي ستغير مستقبل الطب، أو الفيزيائية التي ستحدث ثورة في الطاقة النظيفة، أو المهندسة التي ستبتكر تقنية تنقذ ملايين الأرواح.
اليوم، ومع احتفالنا باليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم، لا بد من التذكير بأن التقدم العلمي لا يتحقق إلا بمشاركة الجميع، دون تمييز أو إقصاء. التاريخ مليء بقصص النساء اللواتي كافحن لإثبات وجودهن في المجالات العلمية، وغدًا ستكون هناك فتيات جديدات يسطرن إنجازات غير مسبوقة، إذا ما أتيحت لهن الفرص والدعم اللازم.
التحديات التي تواجه المرأة في العلوم لم تنتهِ بعد، لكنها بلا شك أصبحت أقل حدة مما كانت عليه في الماضي، بفضل الجهود الدولية والمحلية التي تسعى إلى تمكين الفتيات وتشجيعهن على الانخراط في المجالات العلمية. في مصر، شهدنا خلال السنوات الأخيرة ازدياد عدد الفتيات اللاتي يخترن دراسة الهندسة والعلوم الطبية والتكنولوجيا، وهو مؤشر إيجابي على التغيير الثقافي الذي يحدث في المجتمع.
ولعل أبرز ما يجب التركيز عليه اليوم هو دور القدوة في إلهام الأجيال القادمة. عندما ترى الفتاة الصغيرة امرأة ناجحة في العلوم تتحدث عن إنجازاتها، تشعر بأن الطريق ليس مستحيلًا، وأنها قادرة على تحقيق أحلامها. هذا هو الفرق الذي تصنعه المبادرات الداعمة للمرأة، سواء من خلال الجوائز العلمية أو المنح الدراسية أو حتى الحملات التوعوية التي تكسر الصور النمطية عن المرأة في العلوم.
من المهم أيضًا أن تتحمل المؤسسات التعليمية والإعلامية مسؤولية تغيير الخطاب السائد حول الفتيات في العلوم. البرامج المدرسية يجب أن تعزز حب الاستكشاف والبحث العلمي لدى الفتيات، والإعلام يجب أن يسلط الضوء على إنجازاتهن بدلاً من التركيز فقط على النجاحات التقليدية في المجالات الأخرى. يجب أن يكون للفتاة الصغيرة التي تحلم بأن تصبح عالمة فيزياء أو مهندسة فضاء نماذج نسائية بارزة تقتدي بها، تمامًا كما يجد الفتيان نماذجهم في العلماء المشهورين.
ولا يمكن الحديث عن دعم المرأة في العلوم دون التطرق إلى التكنولوجيا الحديثة، التي أصبحت تلعب دورًا كبيرًا في كسر الحواجز التقليدية أمام الفتيات. الإنترنت اليوم يتيح للفتيات فرصة التعلم الذاتي، والانضمام إلى مجتمعات علمية عالمية، والمشاركة في أبحاث مشتركة دون الحاجة إلى الانتقال الجغرافي. هذا يفتح آفاقًا جديدة تمكن الفتيات من تحقيق طموحاتهن العلمية، حتى في البيئات التي لا تزال تعاني من التمييز.
ختامًا، الاحتفال باليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم لا يجب أن يكون مجرد مناسبة رمزية، بل يجب أن يكون دافعًا للعمل المستمر لضمان بيئة علمية أكثر شمولًا وعدالة. كل خطوة تُتخذ اليوم لدعم الفتيات في العلوم ستنعكس على مستقبل المجتمعات ككل، لأن العلم عندما يكون في متناول الجميع، يصبح أداة أقوى لتطوير البشرية. فلتكن هذه المناسبة دعوة لنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، لنواصل دعم المرأة في العلوم، حتى تصبح قصص نجاحهن أمرًا معتادًا وليس استثناءً.
راى المحرر
يأتي اليوم العالمي للمرأة والفتاة في العلوم ليعيد إلى الأذهان حقيقة لا يمكن إنكارها: التقدم العلمي لا يميز بين جنس وآخر، والقدرة على الابتكار والاكتشاف لا تعرف حدودًا. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإنجازات العظيمة التي حققتها النساء في مختلف التخصصات العلمية، لا تزال هناك تحديات تعرقل انخراط الفتيات بشكل كامل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).
الاحتفال بهذا اليوم لا يجب أن يكون مجرد مناسبة رمزية، بل ينبغي أن يكون نقطة انطلاق لمراجعة السياسات والتقاليد التي تحدّ من فرص الفتيات في المجال العلمي. فالعالم اليوم يواجه تحديات كبرى، من تغير المناخ إلى الأوبئة والتطور التكنولوجي المتسارع، ولا يمكن مواجهتها إلا من خلال استغلال كامل الطاقات البشرية، رجالًا ونساءً.
قصص العالمات الملهمات، سواء في مصر أو على مستوى العالم، تثبت أن المرأة قادرة على تحقيق إنجازات عظيمة إذا ما أُتيحت لها الفرصة. فمن سميرة موسى، التي قدمت إسهامات رائدة في الطاقة النووية، إلى الشابة المغربية هدى زويتن، التي ابتكرت حلولًا تكنولوجية لإنقاذ الأرواح، نجد أن الإرادة والعلم معًا قادران على كسر الحواجز المجتمعية وإحداث تغيير حقيقي.
إن مستقبل العلوم يعتمد على التنوع والشمولية، وعلى المجتمعات أن تضمن بيئة تعليمية ومهنية تدعم المرأة في رحلتها العلمية. يجب أن تتبنى الدول استراتيجيات واضحة لتعزيز مشاركة الفتيات في العلوم، من خلال تقديم المنح الدراسية، وتعزيز البرامج التعليمية، ودعم المحتوى الإعلامي الذي يحتفي بإنجازات المرأة العلمية.
في نهاية المطاف، الاحتفال بالمرأة والفتاة في العلوم ليس مجرد تكريم، بل هو تأكيد على أن أي مجتمع يسعى إلى التقدم يجب أن يفتح أبوابه أمام جميع العقول المبدعة، دون قيود أو تحيز.