تحيا مصر في الذكري العاشرة لثورة 30 يونيو
كتب :د.فتحي حسين
تعني الشهادة كلمة الحق التي تفصل بينه وبين الباطل ،وهي حكم علي واقع وكشف لحقيقته ،خاصة ونحن نستعيد أحداث ثورة 30 يونيو المجيدة التي انتفض فيها الشعب علي جماعة الإخوان ،واستعاد الشعب المصري عبر ثورة شعبية هي الأضخم في تاريخ مصر دولتهم مرة أخري . وفي الذكري العاشرة للثورة ،يمكن أن نقول بأن المفكر الحقيقي هو الشاهد علي الأحداث والمواقف ،والشاهد هو الشهيد ،وليس برنامج الشاهد المتواضع علي قناة الاخبار .والشهادة فقط اظهار للواقع علي أنه حقيقة ،بل هي ايضا فعل شعوري،يعبر عن وجود الفكر ،لان وجود الفكر في حد ذاته في العصر شهادة ،والمفكرون شهداء الحق ،اي هم الذين يشهدون علي عصرهم وسيحاسبون عليها إيجابا وسلبا وهم الذين قد يلقون الشهادة ،اي الاستشهاد ،جزاءا علي شهادتهم!! ،والمفكرون في العصر هم الشهداء ،لذلك كان سقراط شاهدا علي عصره وشهيدا له ،وكان احمد ابن حنبل في محنته شاهدا علي عصرا وشهيدا له ،زكان جيوردانو مثلا والذي حرق علنا بأمر من محاكم التفتيش ،لايمانه بالعقل والعلم الجديد ،شاهدا علي عصره وشهيدا له !
ويكون المفكر شاهدا وسعيدة إذا حقق رسالة الفكر .وليس الفكر وظيفة بل رسالة ،ليس وسيلة لكسب العيش بل ربما يكون طريقا للجوع والعري والتشرد والطرد والحرمان !!
وليس الفكر هو الذي يعطي شعورا بالأمان أو الاستقرار ،بل هو الذي يسبب القلق ..المفكر بطبعه شهيد العصر ،كما كان الانبياء قديما شهداء عصورهم . لكن الغالب علي كل أو معظم مفكرين اليوم ،هو أن الفكر لديهم وظيفة يقومون بها علي خير وجه ،فاذا حان وقت الانصراف ،عادوا الي حياتهم الطبيعية ! فليس الفكر لدي هؤلاء رسالة تؤرقهم بل وسيلة للتكسب المادي وللاستزادة،فيمكنهم مثلا الكتابة عن قارة استراليا أو قارة أفريقيا وهم لا يعرفونها ولا يشعرون بوجودها ،ويكتبون عن الاشتراكية وهم لا يؤمنون بها! وعن طبقات الكادحين وهم لا يشعرون بهم وهم لم يروها علي الاطلاق ! حتي أصبح من الصعب في مثل هذه البيئات التمييز بين الكتاب جميعهم ..فالاكثرية من كتاب اليوم يتحدثون لغة واحدة وهي اللغة المتداولة في السوق ،يزايد بعضهم علي بعض حتي احتارت الجماهير بينهم ،وتساءلت كما تساءل الاشعري من قبل حينما فقد مصحفه بينما كان يعطي درسا في المسجد وحوله التلاميذ ركعا خشعا من الإيمان والتقوى وقال :” كلكم يبكي ،فمن سرق المصحف اذن ! ”
لذلك فرسالة الفكر هي التعبير الصادق عن حياة المفكر ،لان الفكر ليس بضاعة بل رسالة ،وليس وظيفة بل دعوة ،تلك كانت رسالة الفقهاء قديما ،عندما كانوا يتصدرون واقعهم كطلائع له ،ويرفضون أن يؤجروا علي ذلك ،فتلك كانت شهاداتهم علي عصرهم..!
فرسالة الفكر هي النفي للواقع من أجل تغييره وتطويره وهو اساسا رفض وثورة ،لانه بالرفض يتغير الواقع ،لان الفكر الذي لا يغير لا يكون فكرا بل يكون تبريرا غير مستحب أو مستساغ!
اذا كانت بيئة المفكر تقوم علي المحافظة علي الأوضاع الراهنة دون تغيير أو تبديل ، فإن المفكر بري فيها فلسفة جوهرها التغيير الجذري وهكذا يقلب المفكر الحق باطلا والباطل حقا يفقد حياته ويضيع شرف الكلمة ،وقد لا يدل التبرير بالضرورة علي عجز بل يدل علي ايثار السلامة وعلي رغبة في التعايش أو علي أن الجبن سيد الاخلاق أو ربما علي الرغبة في المحافظة علي المكاسب الشخصية ،فهو عجز سطحي وفي الحقيقة هو نفاق وتبرير يقوم علي النفاق ،ولذلك نجد في القران الكريم اكبر هجوم شهده تاريخ الفكر علي النفاق والمنافقين .
وفي الخاتمة نقول بأن الضمير هو حياة المفكر صاحب الشهادة وشرفه ، وهو ما يلزم صاحبه أم أن يقول خيرا او ليصمت ،وقد يكون الصمت شهادة علي الواقع وأبلغ من مخالفة الضمير والشرف والأمانة !