سرية الملفات الضريبية بين مطرقة النيابة وسندان القانون: فتوى مجلس الدولة تحسم الجدل
![](https://www.elshorouk-news.com/wp-content/uploads/2025/02/IMG_2794.jpeg?v=1739466272)
سرية الملفات الضريبية بين مطرقة النيابة وسندان القانون: فتوى مجلس الدولة تحسم الجدل
كتب د.وائل بدوى
فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بشأن سرية البيانات الضريبية وطلب النيابة العامة لمستندات الممولين في قضايا غسل الأموال
أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتوى ذات أهمية بالغة تتعلق بحماية سرية البيانات والمعلومات الضريبية الخاصة بالممولين، وما يترتب على ذلك من التزامات قانونية على موظفي مصلحة الضرائب المصرية، وذلك في سياق ما أُثير بشأن مدى مشروعية استجابة مصلحة الضرائب لطلب النيابة العامة (نيابة الشئون الاقتصادية وغسل الأموال) للحصول على مستندات وبيانات ضريبية تخص بعض الممولين في إطار التحقيقات التي تُجريها في مجال مكافحة غسل الأموال.
جاءت هذه الفتوى حاسمة في تأكيد مبدأ أساسي هو حماية السرية الضريبية، حيث قررت الجمعية العمومية أن قيام مصلحة الضرائب المصرية بتزويد النيابة العامة بمستندات وبيانات من الملفات الضريبية لبعض الممولين، بدون الحصول على أمر قضائي مسبق، يُعد أمرًا غير جائز قانونًا.
الأساس القانوني للفتوى:
ارتكزت الفتوى على عدد من المبادئ القانونية والتشريعية التي تؤكد على سرية البيانات الضريبية، أهمها:
1.الالتزام بسرية المهنة:
موظفو مصلحة الضرائب مُلزمون قانونًا بعدم إفشاء أية معلومات أو مستندات تتعلق بالملفات الضريبية للممولين، وذلك وفقًا لما تفرضه التشريعات الضريبية المنظمة لعمل المصلحة، وعلى رأسها قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005، وغيره من القوانين ذات الصلة.
2.حماية الثقة بين الممول والإدارة الضريبية:
المبدأ الأساسي في العلاقة بين الممول ومصلحة الضرائب هو الثقة المتبادلة، وهذه الثقة لن تتحقق إلا بضمان سرية البيانات والمعلومات التي يُدلي بها الممول للمصلحة.
3.عدم وجود نص صريح في قانون الإجراءات الجنائية أو قوانين النيابة العامة:
الجمعية العمومية أشارت إلى أن القوانين المنظمة لعمل النيابة العامة، بما فيها قانون الإجراءات الجنائية، لم تنص صراحةً على أحقية النيابة العامة في الاطلاع على الملفات الضريبية، أو الحصول على البيانات السرية المحفوظة لدى مصلحة الضرائب، إلا بناءً على أمر قضائي مسبق.
خطورة إفشاء البيانات دون إذن قضائي:
أكدت الفتوى أن الاستجابة لطلب النيابة العامة بتقديم بيانات أو مستندات ضريبية، دون الحصول على إذن قضائي، يُعد مخالفة صريحة للقانون، ويؤدي إلى المساس بسرية المهنة، بل قد يُعرّض الموظف المختص في مصلحة الضرائب للمساءلة التأديبية والجنائية حال إفشائه هذه البيانات بالمخالفة لما أوجبه القانون.
النيابة العامة وسلطتها في جمع الأدلة:
رغم أن النيابة العامة هي السلطة المختصة بتحريك الدعوى الجنائية وجمع الأدلة وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، فإن سلطتها هذه ليست مطلقة، بل مقيدة بضوابط تضمن احترام الحقوق والحريات، ومن بين هذه الضوابط الحصول على إذن قضائي مسبق في الحالات التي تستلزم الاطلاع على بيانات ذات طابع سرّي، مثل البيانات المصرفية أو الضريبية.
خصوصية قضايا غسل الأموال:
على الرغم من أن جرائم غسل الأموال تُعد من أخطر الجرائم الاقتصادية لما لها من آثار مدمرة على الاقتصاد الوطني، إلا أن ذلك لا يعني تجاوز الضمانات القانونية المقررة لحماية الحقوق الأساسية، ومن بينها الحق في الحفاظ على سرية البيانات المالية والضريبية. لذلك، فإن قيام النيابة العامة بالتحقيق في جرائم غسل الأموال لا يُتيح لها تلقائيًا الحق في الحصول على بيانات الملفات الضريبية للممولين من مصلحة الضرائب، إلا بعد استصدار أمر قضائي.
موقف القضاء المصري من سرية البيانات:
المحاكم المصرية درجت في العديد من أحكامها على التأكيد على أن سرية البيانات، سواء المصرفية أو الضريبية، هي حق مكفول، ولا يجوز المساس به إلا وفقًا للإجراءات التي نص عليها القانون، والتي من بينها ضرورة الحصول على إذن من القضاء المختص.
النتائج المترتبة على الفتوى:
1.التأكيد على مبدأ سيادة القانون:
تطبيق الفتوى من شأنه تعزيز احترام مبدأ سيادة القانون، وضمان عدم تجاوز الجهات التحقيقية لاختصاصاتها.
2.تعزيز الثقة في النظام الضريبي:
التزام مصلحة الضرائب بسرية بيانات الممولين يُعزز الثقة في النظام الضريبي، ويشجع الممولين على الالتزام الطوعي بالإفصاح عن معاملاتهم المالية.
3.حماية الموظفين من المساءلة:
الفتوى توجه الموظفين في مصلحة الضرائب بعدم الإفصاح عن أي بيانات ضريبية إلا بعد صدور قرار قضائي، بما يحميهم من التعرض للمساءلة القانونية.
4.ضبط العلاقة بين النيابة العامة والجهات ذات الطبيعة السرية:
النيابة العامة يتعين عليها الالتزام بما ورد في الفتوى، بحيث لا تطلب مستندات أو بيانات سرية، ومنها الملفات الضريبية، إلا بعد الحصول على إذن من القضاء المختص.
الخلاصة:
فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تؤكد على أن سرية البيانات الضريبية مبدأ أصيل في النظام القانوني المصري، ولا يجوز للنيابة العامة طلب هذه البيانات من مصلحة الضرائب إلا بأمر قضائي مسبق. هذه الفتوى تُكرس ضمانات حماية الحقوق المالية للأفراد، وتُرسخ فكرة أن مكافحة الجرائم الاقتصادية، ومن بينها غسل الأموال، يجب أن تتم في إطار احترام القانون وصيانة الحقوق الأساسية للممولين.