ليلة رمضانية في مدينة الذكاء الاصطناعي
ليلة رمضانية في مدينة الذكاء الاصطناعي
كتب د. وائل بدوى
كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرًا، والشمس تتهادى نحو المغيب، معلنة اقتراب موعد الإفطار في مدينة “نيوراما”، المدينة الذكية التي تعمل بالكامل بالذكاء الاصطناعي. في هذا المكان، حيث تمتزج التكنولوجيا بروحانيات رمضان، كانت العائلات تستعد للإفطار بطريقة لم يعتدها البشر قبل سنوات قليلة.
المطبخ الذكي والإفطار المبرمج
في منزل عائلة “سالم”، وقفت الجدة بجوار “المساعد الطاهي الذكي”، وهو روبوت يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإعداد وجبات الإفطار. كل ما كان عليها فعله هو أن تقول:
“حسنًا، جهّز لنا مائدة رمضانية متكاملة، تشمل الحساء، والتمر، والوجبة الرئيسية”
وبلمح البصر، بدأ الذراع الآلي في تحضير الطعام وفق وصفات تم جمعها من قاعدة بيانات ضخمة تضم أطباقًا من مختلف الدول الإسلامية، مع مراعاة القيم الغذائية لكل فرد في العائلة. لم تكن الجدة تحتاج إلى القلق بشأن الطهو، فقد كان النظام يحاكي طريقتها التقليدية في الطهي بناءً على تحليل صوتها وحركتها عندما كانت تطبخ بنفسها قبل سنوات.
الجامع الذكي وصلاة التراويح
أما الابن “علي”، فكان ينتظر أذان المغرب بينما يتابع تطبيق “المؤذن الذكي”، الذي لم يكتفِ فقط بتذكيره بمواقيت الصلاة، بل كان يرشده إلى أقرب مسجد باستخدام الخرائط المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ويرسل إليه تلاوة من الشيخ المفضل لديه قبل كل صلاة.
في جامع “السلام”، كان الإمام يستخدم “المحراب الذكي”، وهو نظام يعتمد على تحليل الصوت والإضاءة لتوجيه المصلين، وضبط مكبرات الصوت تلقائيًا بحيث تصل التلاوة بوضوح إلى الجميع دون الحاجة إلى التدخل البشري. حتى أنظمة التهوية كانت تعمل بالذكاء الاصطناعي، فتعدل درجة الحرارة تلقائيًا وفق كثافة المصلين ودرجة حرارة أجسادهم.
توزيع الزكاة والصدقات بالذكاء الاصطناعي
قبل صلاة العشاء، أرسل والد علي مبلغًا من المال إلى إحدى الجمعيات الخيرية عبر تطبيق “الصدقة الذكية”، الذي يستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد أكثر الأسر احتياجًا وفق تحليل البيانات الاجتماعية والاقتصادية. لم يكن بحاجة إلى البحث أو التساؤل، فقد قدم له التطبيق تقريرًا دقيقًا عن أثر تبرعه، مما جعله يشعر بالاطمئنان بأن زكاته تصل إلى مستحقيها بفعالية.
السحور والاستيقاظ الذكي
مع اقتراب منتصف الليل، أعد “المساعد الصحي الذكي” توصيات شخصية لكل فرد من العائلة عن وجبة السحور المناسبة لهم، بناءً على تحليل نشاطهم اليومي ومعدل استهلاكهم للطاقة. وعند اقتراب موعد الفجر، بدأ “المنبه الذكي” تشغيل صوت الأذان تدريجيًا، مع إضاءة الغرفة بلون هادئ يحاكي شروق الشمس، مما جعل الاستيقاظ للسحور تجربة لطيفة دون الإزعاج التقليدي للمنبهات الصاخبة.
رمضان في المستقبل.. روحانيات وتقنية
في مدينة “نيوراما”، لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرد أدوات تقنية، بل أصبح جزءًا من التجربة الرمضانية، يساعد الناس على التركيز على الروحانيات والتواصل الإنساني، بينما يتولى عنهم المهام الروتينية.
وقبل أن ينام علي، سأل والده:
“هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصوم مثلنا؟”
ضحك الأب وأجابه:
“ربما لا يشعر بالجوع والعطش، لكنه يساعدنا في عيش روح رمضان بطريقة أفضل!”
وهكذا، في مدينة يحكمها الذكاء الاصطناعي، ظل رمضان كما هو، مليئًا بالرحمة، والعبادة، والتواصل، ولكن بأسلوب أكثر ذكاءً وسلاسة.