معركة بدر في حرب أكتوبر 1973: انتصار الإرادة والتخطيط المحكم
معركة بدر في حرب أكتوبر 1973: انتصار الإرادة والتخطيط المحكم
كتب د. وائل بدوى
تُعد معركة بدر إحدى المعارك الحاسمة في حرب أكتوبر 1973 التي خاضتها القوات المصرية ضد الجيش الإسرائيلي. رغم مرور قرون على معركة بدر الإسلامية التاريخية، إلا أن تسمية العملية المصرية بهذا الاسم لم تكن محض مصادفة، بل حملت رمزية ذات دلالة عميقة في سياق استرجاع الانتصارات السابقة والشعور الوطني بالتحدي.
في أعقاب الهزيمة القاسية التي تعرضت لها الدول العربية في حرب 1967، كان الجيش المصري يعمل على إعادة تنظيم صفوفه وتجهيز قواته لتغيير المعادلة العسكرية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة look سيناء. في هذا السياق، استغرق الإعداد لحرب أكتوبر سنوات من التخطيط والتدريب المكثف، حيث ركزت القوات المصرية على تحسين أدائها في مجالات عدة، منها العمليات الجوية، والهجمات البرية، والهندسة العسكرية، وتنسيق القوات المشتركة.
تم التخطيط لعملية بدر كجزء من الهجوم الشامل الذي نفذته القوات المصرية على طول الجبهة في يوم السادس من أكتوبر 1973. كان الهدف الرئيسي من العملية هو عبور قناة السويس، واستعادة السيطرة على الضفة الشرقية للقناة التي كانت تحت سيطرة الإسرائيليين منذ عام 1967.
تمثل معركة بدر، بعملية العبور الدقيقة والمفاجئة، تتويجًا لسلسلة من التدريبات التي قامت بها القوات المصرية، معتمدة على تنسيق متميز بين القوات الجوية والبحرية والبرية. لقد تم استخدام عنصر المفاجأة كعامل حاسم، حيث بدأت المعركة في توقيت يوم عيد الغفران اليهودي، عندما كانت القوات الإسرائيلية في حالة من الاسترخاء وقلة الجاهزية.
في صباح يوم 6 أكتوبر 1973، بدأت القوات الجوية المصرية بقصف مواقع العدو على طول الجبهة. وكانت الضربة الجوية مفاجئة وفعالة بشكل كبير، مما أدى إلى إرباك القوات الإسرائيلية وإضعاف قدرتها على الرد الفوري. بعد ذلك مباشرة، بدأت وحدات الجيش المصري عبور قناة السويس باستخدام معدات هندسية وجسور عائمة تم إعدادها بشكل محكم.
معركة بدر، التي كانت جزءًا حيويًا من حرب أكتوبر 1973، قادها مجموعة من القادة العسكريين البارزين في القوات المسلحة المصرية الذين كان لهم دور محوري في تحقيق هذا الانتصار العسكري. نذكر من هؤلاء القادة:
1. الفريق أول سعد الدين الشاذلي – كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت. الشاذلي كان المخطط الرئيسي لمعركة العبور، وهو الذي وضع التكتيكات التي مكنت القوات المصرية من تنفيذ عملية العبور بنجاح.
2. المشير أحمد إسماعيل علي – القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية، كان مسؤولاً عن تنسيق جميع عمليات القوات المسلحة على الجبهات المختلفة. أحمد إسماعيل كانت له رؤية استراتيجية واضحة لتنفيذ الهجوم على إسرائيل.
3. اللواء عبد المنعم خليل – قائد الجيش الثاني الميداني، وكان له دور فعال في التخطيط والإشراف على تنفيذ العمليات الهجومية التي قادت إلى العبور والسيطرة على الضفة الشرقية.
4. اللواء سعد مأمون – قائد الجيش الثالث الميداني، وكان مكلفاً بتنفيذ العمليات الهجومية في قطاع جنوب قناة السويس. قاد القوات إلى انتصارات حاسمة على الجبهة الجنوبية للمعركة.
5. اللواء محمد عبد الغني الجمسي – رئيس هيئة العمليات للقوات المسلحة المصرية، وكان واحداً من المخططين الرئيسيين لحرب أكتوبر، وله دور كبير في إدارة العمليات العسكرية اليومية.
بحسب المصادر التاريخية، شاركت القوات المصرية في معركة العبور، التي كانت جزءاً من عملية بدر، بعدد كبير من الجنود والمعدات العسكرية. التقديرات تشير إلى:
• عدد الجنود: بلغ عدد الجنود المصريين الذين شاركوا في المرحلة الأولى من الهجوم حوالي 80,000 جندي. هذا العدد تزايد بشكل تدريجي بعد عبور القناة إلى أكثر من 200,000 جندي مع تقدم المعركة.
• المدرعات والمعدات العسكرية:
• حوالي 2,000 دبابة شاركت في العمليات العسكرية على مختلف الجبهات، بما في ذلك دبابات T-55 وT-62.
• حوالي 2,000 قطعة مدفعية تم استخدامها في قصف الخطوط الإسرائيلية في سيناء.
• قوات الطيران المصرية شاركت في الضربة الجوية الأولى بأكثر من 220 طائرة، منها مقاتلات وقاذفات متنوعة الطراز.
• سلاح الهندسة: لعب سلاح الهندسة المصري دوراً محورياً في العبور، حيث تم استخدام 300 قارب مطاطي لنقل الجنود عبر القناة. كما تم بناء 10 جسور عائمة بسرعة فائقة لنقل الدبابات والمعدات الثقيلة إلى الضفة الشرقية.
على الجانب الآخر، كانت القوات الإسرائيلية تقدر بـ حوالي 450,000 جندي في الاحتياط والاستعداد، مع تفوق في عدد الدبابات الذي بلغ 1,700 دبابة، بالإضافة إلى امتلاكها قوة جوية كبيرة.
• العبور: تم عبور قناة السويس بنجاح في الساعات الأولى من المعركة، وتم تثبيت رؤوس جسور على الضفة الشرقية. هذا العبور كان بمثابة لحظة فاصلة في الحرب لأنه أتاح للقوات المصرية استعادة زمام المبادرة في الحرب.
• الخسائر: خلال الأيام الأولى من المعركة، تكبدت القوات المصرية خسائر محدودة مقارنة بالخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش الإسرائيلي، الذي كان غير مستعد تمامًا لمثل هذا الهجوم الكبير والمنظم.
• خط بارليف: كانت التحصينات الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس تُعرف بخط بارليف، الذي اعتقدت إسرائيل أنه منيع. ومع ذلك، تمكنت القوات المصرية من اختراق هذا الخط باستخدام تكتيكات هندسية مبتكرة مثل ضخ المياه بواسطة مضخات قوية لتفتيت الساتر الترابي.
• توقيت المعركة: الهجوم بدأ في تمام الساعة 2 ظهرًا يوم 6 أكتوبر 1973، وهو توقيت مدروس بعناية لأنه صادف عيد الغفران (يوم كيبور)، حيث كانت إسرائيل في حالة استرخاء وأقل جاهزية عسكرية.
على الرغم من التفوق الإسرائيلي في التسليح، استطاعت القوات المصرية، عبر استخدام تكتيكات جديدة، تحقيق تقدم سريع على الأرض. قامت القوات المصرية بتثبيت رؤوس جسور على الضفة الشرقية للقناة، وتمكنت من صد الهجمات المضادة الإسرائيلية التي حاولت إيقاف التقدم المصري.
تمثل معركة بدر جزءًا من الانتصار الأكبر الذي حققته القوات المصرية في حرب أكتوبر، حيث شكلت العملية منعطفًا حاسمًا في الحرب وأسهمت في رفع الروح المعنوية للجيش المصري والشعب. المعركة أكدت أن التخطيط الدقيق، والاستعداد الجيد، والإرادة القوية يمكن أن تصنع فرقًا حتى في مواجهة عدو يتمتع بتفوق تكنولوجي وعسكري.
من الدروس المستفادة من معركة بدر في حرب أكتوبر 1973 هو أهمية الابتكار والتخطيط الدقيق في العمليات العسكرية. رغم التحديات الكبيرة، استطاعت القوات المصرية تحقيق أهدافها من خلال استخدام تكتيكات ذكية ومنهجية متكاملة تعتمد على التفوق البشري والإعداد الجيد.
في الختام، تظل معركة بدر رمزًا للقدرة المصرية على تحدي الصعاب والوقوف في وجه قوى أكبر تسليحًا وتكنولوجيا. هي معركة خلدت في الذاكرة الوطنية كجزء من إرث النصر والإصرار على استعادة الأرض والكرامة.