يوم الجمعه
بقلم / محموددرويش
كان ليوم الجمعة كواليس عظيمة عندما كنت صغيرًا، مُنذ سنوات كان هو يوم الأجازة الوحيد بأسبوع دراسي ثقيل، ستخلد للنوم مساءَ الخميس وأنت في غِبطةٍ عظيمةٍ، ستحظى بساعات نوم إضافية تعويضًا عن الاستيقاظ السادي بالسادسة صباحًا.
إفطار عامر، لا يخلو عادةً من قُرص طعميّة ساخن يزدان سطحه بحبّات السمسم المتناثرة كقطع الزمُرد على بساط فسيح، وطبق فول بالزيت الحار يهوي لقلبك أولًا قبلَ المعدة.
جسلة استحمام شعائريّة، ذهاب إلى المسجد قبل الخطيب (ليس رئيس الأهلي بالطبع)
نشأت على مُعتقد بأن الذهاب للمسجد بعد صعود الخطيب للمنبر جريمة لها من الخطورة ما يجعل عزرائيل يقبض روحك انتقامًا، فزّاعة كانت خاطئة بالطبع لكنها جعلتني وأبناء جيلي نستنِد على أساسٍ صحيح.
لم أشغل بالي كثيرًا بفحوى الخطبة، كنت أفكر مليًا بمحشي ورق العنَب الذي أعدته أمي، وأتعاطف هضميًا مع تلك الأميرة الرابضة بجواره ، بطة مشويّة تكفي لتسييل اللعاب أنهارًا.
أتخيل منظر الأبخرة المُتصاعدة، إشعاعات نوويّة تُخيم على أسقف المطبخ، رائحة تداعب الرئتين كلبؤةٍ شرِهة تغوي أسدها الفَحل في أطوار الشبق.
تنتهي الخطبة ونُسلِّم بعد انتهاء الصلاة، أذهب لأداء اشتباك قتالي مُتلاحم مع ما يزيد عن خمسة آلاف ورقة عنب ملفوفة بعناية كأنها سيجار كولومبي مُتقن الصنع، وصدر بطة أكثر ثراءًا.
أشعر بامتلاء حقيقي يضعني على قمم السعادة، ليتَ المَعدة كانت أوسع من ذلك.
أتناول شاي بالنعناع ليغسل أحزاني وهمومي، فلسفة الشاي أن يُحتسى ساخنًا، تستكشف حرارته برشفةٍ أولية، بها ما يكفي من اللذة التي لا تخلو من سخونة لافحة، لكُل الملذات ضرائب باهظة.
يدخل الكون في غمامةٍ غامقة، أشعة الشمس تبدأ بالانكماش، ستارٍ أسود يبدأ بالهبوط، اللعنة قد حل الليل، انتهت المتَع وغدًا ستأتي أُمي لتنتزعني من الفراش قهرًا، سأُقاوم، سأصمد ما استطعت، سأُعلن عن غضبي وأضَع الغطاء على رأسي، سأسلب دقائق إضافيّة، ستيأس، ستتركني دقائق، وتستعين بأبي، الذي تكفي “خطوات أقدامه” وهو قادم نحوي، لأنتفض وأصُب اللعنات على الاستيقاظ باكرًا وعلى المدرسة بمن فيها، إلا الفتاة الحمقاء التي أحببتها.