الذكاء الاصطناعي وأفق جديد للصحافة المطبوعة في العصر الرقمي
كتب د. وائل بدوى
في عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة ثورية قادرة على إعادة تشكيل العديد من القطاعات، بما في ذلك الصحافة المطبوعة. رغم المشكلات المتزايدة التي تواجه الصحافة الورقية، من تراجع في أعداد التوزيع إلى المنافسة المتزايدة مع الصحافة الرقمية، يُظهر الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة لتعزيز مستقبل الصحافة المطبوعة وإثراء تجربة القراء.
ظهر تعبير “الطباعة ماتت” لأول مرة على لسان بطل الفيلم الأمريكي الكوميدي “صائدو الأشباح” عام 1984، للدلالة على أن كل الوسائط الورقية كالصحافة والكتب في طريقها للزوال. بعد 40 عامًا من هذه النبوءة “السينمائية”، لم تمت الطباعة. الورق لا يزال جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، وإن بوتيرة أقل.
منذ أسبوع، نشر الكاتب البريطاني ستيف واتسون مقالًا طويلًا في مجلة “ستاك” أكد فيه أن الصحافة المطبوعة، رغم كل مشاكلها، أمامها مستقبل مشرق. أرقام التوزيع لن تعود كما كانت، تلك أيام قد مضت، لكن هذه ليست القصة كاملة. هناك صحف ومجلات لا تصمد فقط بل تزدهر أيضًا.
مع ذلك، بدأت المشاكل المتعلقة بالصحافة الإلكترونية بالظهور. الإعلانات لا تزيد كما كان متوقعًا، والناس بدأوا يشكون من الآثار الصحية الناتجة عن القراءة من شاشة المحمول. التركيز يقل بل يتشتت، والمعالجات الصحفية ليست أحيانًا على المستوى المطلوب. عندما نقرأ الأخبار على الإنترنت، لا نرى جميع القصص لأنها مخفية في أقسام الموقع الإلكتروني.
أبحاث علمية تؤكد أن الأشخاص يستجيبون للوسائط الورقية أفضل من الرقمية. أن تحمل شيئًا بين يديك وتشم رائحة الحبر وتقلب الصفحات.. كل ذلك يؤدي لقراءة أكثر تفاعلية وتركيزًا. قارئ الصحف هو وحده الذي يعرف ماذا يقرأ، بينما عبر الإنترنت، يتم تعقبك وتسجيل كل نقرة تقوم بها.
هذا لا يعني أن الصحافة الورقية هي الحل الوحيد، لكنه يعني أنها يمكنها التعايش مع العصر الرقمي الجديد إذا أدركت شروطه ومتطلباته وسارعت بالتكيف معه. واتسون اعتمد في رؤيته على نظرية العالم البولندي كوبرنيكوس، التي تقول إن الأرض، وبالتالي البشر الذين يسكنونها، ليسوا مركز الكون. التكنولوجيا الرقمية لن تقضي على الصحافة الورقية، لكن هذه الصحافة لن تظل المركز والباقي يدور حولها. ستتعايش ويمكن أن تزدهر، وهذا يتوقف على أبناء المهنة.
ويتلخص تاثير الذكاء الاصطناعى لدفع الصحافه المطبوعه :-
1. التخصيص العميق للمحتوى:
يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات القراء وسلوكياتهم لتقديم محتوى مخصص بدقة عالية يلائم اهتماماتهم الفردية. هذا التخصيص يمكن أن يجعل الصحف الورقية أكثر جاذبية للقراء الذين يبحثون عن تجربة قراءة فريدة ومعمقة لا توفرها الوسائط الرقمية دائمًا.
2. تحسين الكفاءة التحريرية:
يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات تحرير وإنتاج المحتوى بفضل الأدوات الذكية التي تساعد في تصحيح الأخطاء اللغوية، تنسيق المقالات، وحتى اقتراح أفكار للمواضيع بناءً على الاتجاهات السائدة واهتمامات القراء. كل ذلك يمكن أن يرفع من جودة الصحف المطبوعة ويقلل الأخطاء.
3. الاستفادة من البيانات للتنبؤ بالتوجهات:
باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للمؤسسات الصحفية تحليل كميات هائلة من البيانات للكشف عن توجهات وموضوعات قد تهم الجمهور. هذه القدرة على التنبؤ تسمح بتوجيه الاستراتيجيات التحريرية والتسويقية بشكل أكثر فعالية.
4. تعزيز التفاعلية والتجربة المعززة:
يمكن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات مثل الواقع المعزز لخلق تجارب قراءة مبتكرة في الصحف المطبوعة. على سبيل المثال، يمكن استخدام رموز QR التي تربط القراء بمحتوى فيديو أو تفاعلي يكمل النص المطبوع.
5. الذكاء الاصطناعى
كأداة للتواصل الأفضل:
من خلال استخدام أدوات تحليل اللغة والنص، يمكن للصحفيين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين طريقة تقديم المعلومات، مما يجعل المحتوى أكثر إقناعًا وجاذبية.
في ختام الأمر، يعد الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة للتحديث ولكن كذلك فرصة لإعادة اكتشاف الصحافة المطبوعة وإثراءها. بإمكان هذه التقنية أن تساهم في تجديد الصحافة المطبوعة وتعزيز قدرتها على التعايش والتأقلم مع العصر الرقمي، مما يضمن لها مكانًا في مستقبل وسائل الإعلام.