كتبت : رباب حرش
وصفت سيناء بطريق الغزاة لكثرة ما عبرته الجيوش منذ فجر التاريخ بما يقدر بمئات المرات وقد عبره تحتمس الثالث وحده 17 مرة !
وإن كانت مصر ذات أطول تاريخ حضاري في العالم فإن سيناء أطول سجل عسكري معروف في التاريخ الذي أكد انها كانت خط الدفاع الثالث عن مصر بينما يقع الثاني بفلسطين والأول في جبال طوروس (شمال الشام جنوب تركيا ) إلا أنها أصبحت منذ القرن التاسع عشر خط الدفاع الأول منذ بدء صراع بريطانيا وتركيا علي ملكية مصر .
من هنا كانت سيناء دائما محصنة تحصينا أساسيا ولا يكاد تاريخ فرعون أو سلطان مصري ابتداء من بيبي الأول وحتي سليم الأول يخلو من ذكر التحصينات العسكرية في سينا وليس التعمير .
وكانت مصر تسارع الي ملاقاة اعدائها خارج سيناء وتنقل المعركة الي بر الشام حيث كانت تزداد فرص النصر كلما كانت المعركة أبعد عن قلب الوطن .
الا أنه فرض علينا أن تصبح خط الدفاع الأول منذ القرن التاسع عشر ومع صراع تركيا وبريطانيا ومن بعدهم إسرائيل علي ملكية مصر لتصبح سيناء وبخاصة مع الأوضاع الجديدة التي باتت لا تخفي علي أحد خط الدفاع الأول والأخير عن مصر ومع التطور العسكري اصبح عمق سيناء يقطع في دقائق قليلة مما زاد من أهميتها وخطورتها الحيوية لتصبح أرض المعركة في العصر الحديث وليست طريقا لها وتدور عليها الثلاث حروب ,السويس ويونيو وأكتوبر , وتحولت سيناء من عازل استراتيجي الي موصل جيد للخطر مما ترتب عليه نتائج وتحولات أكثر خطورة كان أهمها القاعدة الاستراتيجية التقليدية , دافع عن القناة تدافع عن مصر , والتي تحولت الي دافع عن سيناء تدافع عن مصر موقعا وموضعا .
فقد اثبتت التجربة المعاصرة أن أي خطر يهدد سيناء يهدد بالتبعية القناة ومن ثم يهدد مصر , وانطلاقا من ظاهرة تقلص العمق الاستراتيجي لسيناء بعد التقدم العسكري تحتم علي مصر نقل المعركة الي خارجها ويجب أن تنتقل دائما من الدفاع الي الهجوم كما كان المبدأ في العصور القديمة والإسلامية لمصر ولا أبالغ اذ قلت إن معني سيناء الآن يتجاوز مصر وأمنها الي حياة وأمن العرب .
وللآن وفيما مضي لم يخلو عصر من عدو مشكك في مصرية سيناء ويطمع فيها سواء بالضم أو العزل أ و دعوات الايجار,الجميع يعمل علي عزل سيناء عن مصر , خط الدفاع المتبقي ووصل الأمر الي ترديد سؤال هل سيناء آسيوية أم أفريقية ؟ املا في التشكيك في تبعية سيناء لمصر .
إن سيناء تحمل منذ فجر التاريخ بصمات وحضارة وطباع مصر بالقوة نفسها التي يحملها أي إقليم مصري آخر وأثبتت الهيروغليفية الوجود المصري علي كل حجر في سيناء بل إن تراب سيناء قد امتزج بالدم المصري ربما أكثر من أي رقعة أخري مماثلة من التراب الوطني فحيث كان ماء النيل يروي الوادي , كان الدم المصري يروي رمال سيناء .
إن التعمير هو الهجوم الحتمي والرد العملي علي المزاعم والمحاولات فلطالما زاد الفراغ من أطماع الأعداء التي جعلت من منطقة سيناء والقناة مناطق تذبذب سكاني عنيف تتأرجح ما بين الاخلاء والامتلاء وتعرضت للتخريب المتعمد من العدو الذي تبني سياسة الابتزاز اثناء الاحتلال وحرق الأرض اثناء الانسحاب .
ان انسحاب يونيو 1967 من سيناء ينبغي أن يكون آخر انسحاب مصري من سيناء في التاريخ كما أن خروج إسرائيل منها في 1973 ينبغي أن يكون آخر خروج من مصر منذ يوسف وموسي فلا انسحاب من سيناء تحت أي ظرف .
إن سيناء بها إمكانات طبيعية للاستصلاح والتوسع الزراعي بطول الضفة الشرقية للقناة وعلي امتداد الساحل الشمالي وإمكانات المياه مطرا او جوفيا لم تستثمر بعد استثمارا كافيا أما عن تمديد مياه النيل فليس بدعا فقد كان النيل قديما يصب في غرب سيناء ويجب أن تصبح قناة السويس مزدوجة التعمير للضفتين بل والتعمير الكثيف
ويكفي ما عانته من كونها أحادية الضفة في العقود السابقة ومن الضروري أن تمتزج مشاريع التعمير بمشاريع الدفاع فتكون كل وحدة بشرية وحدة انتاج ودفاع معا .