رفع تصنيف مصر الائتماني من قبل وكالة “فيتش” إلى “B” مع نظرةp مستقبلية مستقرة: خطوة إيجابية للاقتصاد المصري
كتب د وائل بدوى
للمرة الأولى منذ عام 2019، قامت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني برفع تصنيف مصر الائتماني من “B-” إلى “B” مع نظرة مستقبلية مستقرة. هذه الخطوة تعتبر دفعة قوية للاقتصاد المصري، وتأتي في وقت تتبنى فيه مصر إصلاحات اقتصادية طموحة في إطار برنامجها الموسع مع صندوق النقد الدولي. تهدف هذه الإصلاحات إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز مرونة سعر الصرف، وإدارة السياسات النقدية بشكل أكثر صرامة، من أجل خفض التبعية للدين الخارجي.
أسباب رفع التصنيف الائتماني لمصر
أوضحت “فيتش” أن قرار رفع التصنيف يعكس التدفقات المتزايدة من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، خاصة من خلال صفقة رأس الحكمة التي ساهمت في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي. إلى جانب ذلك، دعمت مرونة سعر الصرف والسياسات النقدية التي اعتمدتها الحكومة المصرية قوة الاقتصاد، وزادت من الثقة في استدامة هذه الإصلاحات.
تحسن احتياطيات النقد الأجنبي
شهدت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي ارتفاعًا ملحوظًا بلغ 11.4 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، لتصل إلى 44.5 مليار دولار، بدعم من صفقة رأس الحكمة وزيادة استثمار غير المقيمين في الديون المحلية. كما تحسن صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي بشكل ملحوظ، حيث تعافى إلى ما يقرب من التوازن بعد أن كان يعاني من عجز قدره 17.6 مليار دولار في يناير الماضي.
وقد أثرت صفقة رأس الحكمة بشكل إيجابي على احتياطيات مصر، إذ جلبت نحو 24 مليار دولار من العملات الأجنبية الجديدة، وارتفعت حيازات غير المقيمين من الديون المحلية إلى نحو 17 مليار دولار منذ فبراير. وقد أدى ذلك إلى تقليل اعتماد مصر على الدين الخارجي، وتحقيق استقرار أكبر في المالية الخارجية.
دور التمويل الدولي في دعم الاقتصاد المصري
أفادت “فيتش” بأن التمويل الدولي، بما في ذلك قرض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي ودعم بقيمة 7.4 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، ساهم في تمويل عجز الحساب الجاري لمصر. ونتيجة لهذه الجهود، من المتوقع أن يبلغ متوسط الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 16.5 مليار دولار سنويًا خلال السنوات المالية 2025 و2026، مما سيعزز من قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة التحديات.
أهمية المرونة في سعر الصرف
أشارت “فيتش” إلى أن الدعم الفني المقدم من صندوق النقد الدولي ساعد على ضمان سعر صرف أكثر مرونة. وزادت أحجام النقد الأجنبي بين البنوك، مما يعزز من الثقة في أن هذه المرونة ستظل مستدامة في إطار السياسة الحالية. تعتبر مرونة سعر الصرف أمرًا حيويًا للحفاظ على استقرار الاقتصاد، حيث تسمح بتكيف أفضل مع التقلبات في الأسواق العالمية، وتساهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
تراجع معدلات التضخم وتحسن المالية العامة
بعد أن بلغ التضخم ذروته عند 35.7% في فبراير 2024، انخفض إلى 26.4% في سبتمبر. وتتوقع “فيتش” أن يستمر هذا الانخفاض في الأشهر القادمة، مما يسهم في تخفيف الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة المرتفعة، مما سيقلل من عبء خدمة الديون الحكومية، وهو عامل هام في تعزيز الصحة المالية للدولة.
تحسينات في المالية الخارجية والاستثمار العام
تحسنت المالية الخارجية لمصر بفضل تدفقات الاستثمارات الأجنبية، وتدفقات غير المقيمين إلى سوق الدين المحلي، والدعم المقدم من المؤسسات المالية الدولية. وأدت التعديلات على السياسات الاقتصادية، بما في ذلك تعزيز مرونة سعر الصرف، إلى تحسين ثقة المستثمرين في استدامة الاقتصاد. كما أشارت “فيتش” إلى أن المخاطر المتعلقة بالمالية العامة قد انخفضت بشكل معتدل، وذلك نتيجة لتقليل الإنفاق العام خارج الميزانية وتوسيع القاعدة الضريبية، ما يؤدي إلى تخفيض عبء الدين العام.
التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري
بالرغم من هذه التحسينات، لا يزال الاقتصاد المصري يواجه تحديات عديدة، مثل تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتطوير القطاع الخاص، وتخفيض مستويات البطالة. تتطلب هذه التحديات استمرار الإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز بيئة الأعمال، وخلق فرص عمل جديدة. كما يجب على الحكومة المصرية أن تواصل جهودها في تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي، وزيادة الإنتاج المحلي، وتحسين كفاءة استخدام الموارد.
التوقعات المستقبلية للاقتصاد المصري
مع ارتفاع التصنيف الائتماني لمصر، أصبح الاقتصاد المصري أكثر جاذبية للمستثمرين، مما يزيد من احتمالية تدفق الاستثمارات الأجنبية في الفترة المقبلة. من المتوقع أن تشهد مصر نموًا اقتصاديًا معتدلًا مدفوعًا بالاستثمارات الأجنبية المباشرة وزيادة الاحتياطيات النقدية. كما أن التزام الحكومة المصرية بالسياسات الاقتصادية المستدامة سيعزز من قدرة الاقتصاد على مواجهة التقلبات العالمية.
علاوة على ذلك، فإن دعم صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية يمنح الاقتصاد المصري الثقة والاستقرار. ومع استمرار الإصلاحات، يمكن لمصر أن تتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا، مع تعزيز دورها كوجهة استثمارية في المنطقة.
تعد خطوة وكالة “فيتش” برفع التصنيف الائتماني لمصر إلى “B” مع نظرة مستقبلية مستقرة بمثابة اعتراف دولي بالتحسن الاقتصادي الذي تحقق في البلاد. وقد جاء هذا التقدير بفضل التدابير الاقتصادية الطموحة التي اتخذتها الحكومة، والتي شملت تعزيز مرونة سعر الصرف، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإدارة الدين العام بشكل أكثر كفاءة. وبرغم التحديات، تظل الآفاق المستقبلية للاقتصاد المصري إيجابية، حيث يُتوقع أن تسهم هذه الإصلاحات في تعزيز النمو الاقتصادي واستقرار المالية العامة، مما يمهد الطريق لتحقيق استدامة مالية واقتصادية طويلة الأجل.