تكنولوجيابنوك وشركات

التطبيق الصيني الذي أشعل موجة بيع عالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي وخسارة 593 مليار دولار لقيمة Nvidia

DeepSeek: التطبيق الصيني الذي أشعل موجة بيع عالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي وخسارة 593 مليار دولار لقيمة Nvidia

كتب د.وائل بدوى

في تحول غير مسبوق، أطلقت شركة صينية ناشئة تدعى “DeepSeek” نموذجها الجديد للذكاء الاصطناعي “DeepSeek-V3”، الذي أدى إلى زعزعة استقرار قطاع التكنولوجيا عالميًا. تسبب هذا الابتكار في خسائر فادحة لشركة Nvidia، بلغت قيمتها السوقية حوالي 593 مليار دولار، وأحدث صدمة في أسواق المال العالمية.

أثر DeepSeek على سوق التكنولوجيا والمال

كان سوق الأسهم مدفوعًا بالتفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الـ 18 الماضية، حيث اجتذبت الشركات الكبرى مثل Nvidia وAMD استثمارات ضخمة بفضل توقعات بنمو غير مسبوق في الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية المرتبطة بها. ومع ذلك، أتى ظهور DeepSeek ليغير هذه المعادلة، خاصة بعد أن أثبت نموذج “DeepSeek-R1” كفاءته العالية مقارنة بالنماذج الأمريكية مثل “ChatGPT” من OpenAI، مع تكلفة تشغيل أقل بـ 20 إلى 50 مرة.

هذا التغير المفاجئ دفع المستثمرين إلى التخلص من أسهم الشركات التقنية والبحث عن ملاذات آمنة مثل السندات الحكومية والعملات المستقرة مثل الين الياباني والفرنك السويسري. انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.53%، في حين سجلت أسهم Nvidia انخفاضًا حادًا بنسبة 11.8% منذ بداية العام.

التطبيق الصيني الذي أشعل موجة بيع عالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي وخسارة 593 مليار دولار لقيمة Nvidia
التطبيق الصيني الذي أشعل موجة بيع عالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي وخسارة 593 مليار دولار لقيمة Nvidia

لحظة “سبوتنيك” جديدة

شبه مستثمر رأس المال المغامر مارك أندريسين نموذج DeepSeek-R1 بـ “لحظة سبوتنيك” للذكاء الاصطناعي، في إشارة إلى إطلاق الاتحاد السوفيتي للقمر الصناعي سبوتنيك عام 1957، الذي أشعل سباق الفضاء بين القوى الكبرى. وكتب أندريسين على منصة X: “DeepSeek R1 هو أحد أكثر الاختراقات المذهلة التي رأيتها في حياتي، وكونه مفتوح المصدر يمثل هدية عظيمة للعالم.”

لكن هذا الصعود لم يخلُ من الجدل. ففي حين أشاد الكثيرون بكفاءة “DeepSeek”، أعرب آخرون عن شكوكهم حول قدراته الحقيقية. يرى محللون أن الشركة قد تكون بالغت في تقدير تكلفة تشغيل النموذج، مع تقارير متناقضة تشير إلى أن DeepSeek قد تمتلك ما يصل إلى 50,000 وحدة معالجة رسومية (GPU) من سلسلة H100، وليس 10,000 كما تزعم.

التطبيق الصيني الذي أشعل موجة بيع عالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي وخسارة 593 مليار دولار لقيمة Nvidia
التطبيق الصيني الذي أشعل موجة بيع عالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي وخسارة 593 مليار دولار لقيمة Nvidia

التأثير على شركات التكنولوجيا والبنية التحتية

لم تقتصر الخسائر على Nvidia وحدها. تراجعت أسهم شركات أخرى مرتبطة بالبنية التحتية للذكاء الاصطناعي مثل Vertiv Holdings، التي سجلت انخفاضًا بنسبة 29.9%. كما تعرضت شركات المرافق الكهربائية مثل Vistra وConstellation Energy لخسائر كبيرة، مع انخفاض أسهمها بنسبة 28.3% و20.8% على التوالي، نتيجة لانخفاض التوقعات بشأن الطلب على مراكز البيانات الكبيرة التي تستهلك الطاقة.

في الوقت نفسه، أعلنت SoftBank عن التزامها بتقديم 19 مليار دولار لدعم مشروع Stargate، وهو مبادرة أمريكية تهدف إلى تعزيز ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. المشروع الذي تبلغ قيمته 500 مليار دولار يعكس استجابة أمريكية مباشرة للتحديات التي تفرضها المنافسة الصينية.

مستقبل الذكاء الاصطناعي: إلى أين؟

يشير المحللون إلى أن انخفاض التكاليف التشغيلية لنماذج مثل DeepSeek قد يؤدي إلى انتشار أوسع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، مما يجعل التكنولوجيا أكثر وصولًا للأفراد والمؤسسات الصغيرة. يقول أدريان كوكس، محلل في دويتشه بنك: “على الرغم من الشكوك، فإن الذكاء الاصطناعي الأرخص يعني المزيد من الذكاء الاصطناعي، مع انفجار في الاستخدامات الحقيقية عبر مختلف الأجهزة.”

لكن هذا المستقبل قد لا يكون خاليًا من التحديات. فبينما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، تبدو الصين مصممة على إثبات قدرتها على الابتكار رغم العقوبات. وفي ظل هذا التنافس المحتدم، قد يتحول الذكاء الاصطناعي من مجرد تقنية إلى أداة استراتيجية تُعيد تشكيل موازين القوى العالمية.

التحولات الاستراتيجية في سباق الذكاء الاصطناعي

يشير نجاح DeepSeek إلى تحول كبير في طريقة تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد البنية التحتية العملاقة والإنفاق الضخم الشروط الوحيدة للهيمنة. بدلاً من ذلك، أصبحت الكفاءة والابتكار في استخدام الموارد المحدودة عوامل أساسية لتحقيق التميز. يمكن تلخيص الدروس الرئيسية من تجربة DeepSeek في النقاط التالية:

1.خفض التكاليف دون التضحية بالكفاءة: أظهر نموذج “DeepSeek-V3” أن الابتكار يمكن أن يتفوق على التكلفة، مع تطوير نموذج بكفاءة عالية وتكلفة تشغيل منخفضة جدًا مقارنة بالنماذج الأمريكية مثل “ChatGPT”. هذه الرسالة توجه ضربة مباشرة إلى الشركات التي تعتمد على نماذج ضخمة وتكاليف باهظة.

2.المصدر المفتوح كوسيلة للابتكار: قرار DeepSeek بفتح النموذج للجمهور كمصدر مفتوح ليس مجرد استراتيجية فنية، بل هو بيان واضح بأن التعاون والمشاركة يمكن أن يكونا أدوات قوية للتطوير والانتشار السريع.

3.التغلب على القيود التقنية والجيوسياسية: رغم العقوبات الأمريكية التي فرضت قيودًا على وصول الصين إلى الشرائح المتطورة، تمكن فريق DeepSeek من الالتفاف على هذه القيود باستخدام شرائح Nvidia H800 الأقل كفاءة ولكن بطريقة ذكية وفعالة.

4.الابتكار الصيني يعيد رسم المشهد العالمي: بعد سنوات من انتقادات القدرات التقنية الصينية مقارنة بنظيراتها الأمريكية، يمثل نجاح DeepSeek شهادة على قدرة الصين على التحول من المنافسة إلى القيادة في بعض المجالات.

التحديات التي تواجه الشركات الأمريكية

مع ظهور DeepSeek، تجد الشركات الأمريكية نفسها في مواجهة أسئلة صعبة حول استراتيجياتها المستقبلية. كيف يمكنها التكيف مع نموذج يعتمد على الكفاءة بدلاً من الحجم والتكلفة العالية؟ هذا يتطلب:

•إعادة تقييم الأولويات: التركيز على تطوير نماذج أكثر كفاءة من حيث التكلفة، قادرة على المنافسة في أسواق أوسع.

•تعزيز الشفافية: بناء ثقة المستخدمين في النماذج الأمريكية من خلال تعزيز الشفافية فيما يتعلق بكيفية تدريب النماذج وحماية البيانات.

•توسيع التعاون الدولي: تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز شراكاتها مع الدول الحليفة لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين في مجال الذكاء الاصطناعي.

الفرص الناتجة عن خفض التكاليف

يشير بعض المحللين إلى أن الذكاء الاصطناعي الأرخص يمكن أن يخلق فرصًا جديدة للنمو. فعندما تصبح التكنولوجيا أكثر تكلفة، تكون مقتصرة على الشركات الكبرى ومراكز البيانات الضخمة. ولكن مع نماذج مثل “DeepSeek”، يمكن أن تنتقل تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، مما يجعلها أكثر شيوعًا بين الأفراد والشركات الصغيرة. هذا قد يؤدي إلى:

•ثورة في التطبيقات اليومية: من تحسين المساعدات الشخصية إلى تطبيقات تعليمية وصحية متقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي الأرخص أن يوسع نطاق تأثيره بشكل غير مسبوق.

•زيادة المنافسة: انتشار النماذج المفتوحة المصدر قد يدفع الشركات الكبرى إلى تسريع الابتكار لمواكبة هذا التحول.

•تحفيز أسواق جديدة: انخفاض تكلفة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفتح الباب أمام دول نامية للاستفادة من التكنولوجيا دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة.

العواقب طويلة الأجل: ماذا بعد؟

إن زعزعة الاستقرار التي أحدثها DeepSeek في الأسواق ليست سوى البداية. يمثل هذا التحول فرصة للصين لترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في الذكاء الاصطناعي. ولكن في الوقت نفسه، يدفع هذا التحدي الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات جادة لإعادة التفكير في استراتيجياتها.

على المدى الطويل، قد نرى:

1.زيادة التنافسية العالمية: دخول لاعبين جدد من الصين ودول أخرى إلى السباق يمكن أن يعيد تشكيل المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.

2.تسريع الابتكار: مع وجود ضغط من المنافسين، قد تشهد السنوات المقبلة تسارعًا في تطوير نماذج أكثر تطورًا وكفاءة.

3.تنظيم دولي للذكاء الاصطناعي: مع تحول الذكاء الاصطناعي إلى ساحة تنافس جيوسياسية، قد يكون هناك حاجة إلى وضع معايير وقواعد دولية لتنظيم هذه الصناعة وضمان الاستخدام الآمن والأخلاقي للتكنولوجيا.

درس DeepSeek

يمثل صعود DeepSeek نقطة تحول في تاريخ الذكاء الاصطناعي. لم تعد الهيمنة التكنولوجية مسألة إنفاق ضخم فقط، بل أصبحت تتعلق بالابتكار والكفاءة والقدرة على تجاوز التحديات. بينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها، يجب أن تكون على استعداد للتكيف مع واقع جديد، حيث لم تعد السيطرة على التكنولوجيا مضمونة.

وفي النهاية، يظل السؤال الأهم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح أداة للتعاون بين الدول بدلًا من أن يكون سببًا للصراع؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل التكنولوجيا ومصير العالم في العقود القادمة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى