الذكاء الاصطناعي واليوم العالمي للمرأة: شراكة نحو مستقبل أكثر تمكينًا

الذكاء الاصطناعي واليوم العالمي للمرأة: شراكة نحو مستقبل أكثر تمكينًا
كتب د. وائل بدوى
في يومٍ من الأيام، في مدينة تنبض بالحياة والتكنولوجيا، استيقظت ليلى على صوت منبهها الذكي، الذي لم يكن مجرد منبه عادي، بل مساعدًا شخصيًا يعمل بالذكاء الاصطناعي، يفهم جدول أعمالها، ويتابع مهامها اليومية. كانت ليلى مهندسة بيانات في واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا، وكانت تحلم بتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على مساعدة النساء في تحقيق طموحاتهن والتغلب على التحديات المجتمعية.
اليوم لم يكن كأي يوم آخر، بل كان اليوم العالمي للمرأة، يومٌ تحتفي فيه النساء بإنجازاتهن ويؤكدن على دورهن في بناء المستقبل. بينما كانت ترتشف قهوتها الصباحية، تلقت إشعارًا من مساعدها الذكي: “ليلى، لديك عرض تقديمي هام اليوم عن دور الذكاء الاصطناعي في تمكين المرأة، هل تودين مراجعة النقاط الأساسية؟”. ابتسمت وقالت بصوت هادئ: “نعم، لنبدأ”.
في قاعة المؤتمرات، كانت الأضواء مسلطة عليها، والجمهور ينتظر بفارغ الصبر سماع رؤيتها. بدأت حديثها قائلة:
“اليوم، نحن لا نحتفل فقط بالمرأة، بل نحتفل بالذكاء الذي يمنحها أدواتٍ أقوى لتحقيق أحلامها. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أصبح شريكًا في رحلتنا نحو المساواة والتمكين. في مجالات الطب، يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء في تشخيص الأمراض المبكرة لدى النساء، وفي عالم الأعمال، يساعد رائدات الأعمال في تحليل الأسواق واتخاذ القرارات الصائبة، وفي التعليم، يفتح آفاقًا جديدة للنساء في المناطق النائية للوصول إلى المعرفة.”
كانت العيون تلمع بالحماس، لكن ليلى لم تتوقف هنا، بل واصلت حديثها بسؤال: “ولكن، هل الذكاء الاصطناعي حيادي؟ هل يمنح النساء الفرص بالتساوي مع الرجال؟” ساد الصمت للحظات، ثم تابعت: “في الحقيقة، الذكاء الاصطناعي هو مرآة للمجتمع. إذا كانت البيانات متحيزة، فستكون النماذج التي نبنيها متحيزة أيضًا. وهنا يأتي دورنا، نحن النساء العاملات في مجال التكنولوجيا، في التأكد من أن هذه النماذج عادلة، شاملة، وتعكس التنوع الحقيقي لمجتمعاتنا.”
بعد العرض، اقتربت منها فتاة صغيرة، ربما لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وقالت بحماس: “أريد أن أصبح عالمة بيانات مثلك، كيف أبدأ؟” ابتسمت ليلى وقالت: “ابدئي بالفضول، لا تخافي من التعلم، واسألي الأسئلة الصعبة، لأننا نحن من نصنع المستقبل.”
وفي طريقها إلى المنزل، شعرت ليلى بالفخر، ليس فقط لأنها قدمت عرضًا ناجحًا، ولكن لأنها أيقنت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداةً للتمكين، إذا تم تصميمه بالشكل الصحيح. ومع كل خوارزمية جديدة تُكتب، ومع كل فتاة تلهمها هذه الرحلة، يقترب العالم خطوة أخرى نحو تحقيق مستقبل أكثر عدلاً وإنصافًا للجميع.
في المساء، وبينما كانت ليلى تسترخي على أريكتها بعد يوم حافل، تأملت في كلمات الفتاة الصغيرة التي قابلتها بعد العرض. كان حلمها بأن تصبح عالمة بيانات يذكرها بنفسها قبل سنوات، عندما كانت تخطو خطواتها الأولى في عالم التكنولوجيا وسط تحديات كثيرة. تذكرت كيف كانت تبحث عن قدوة، عن امرأة في المجال تمثلها وتؤكد لها أن “هذا المكان لكِ أيضًا”.
ولكنها لم تكن وحدها، فمع مرور الزمن، ازداد عدد النساء اللواتي اخترن طريق الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، وبدأت التكنولوجيا تتحول من مجال ذكوري بحت إلى فضاء أكثر شمولًا. ومع ذلك، لم يكن الطريق خاليًا من العقبات. فالتحيزات المضمنة في البيانات، والفجوة في فرص التوظيف، والنظرة المجتمعية تجاه النساء في التكنولوجيا، كلها تحديات ما زالت قائمة، ولكنها ليست مستحيلة الحل.
أخذت نفسًا عميقًا ثم فتحت حاسوبها المحمول، حيث كانت تعمل على مشروع جديد يهدف إلى تحليل البيانات المتعلقة بتوظيف النساء في مجالات الذكاء الاصطناعي. كانت تؤمن بأن الأرقام لا تكذب، وإذا استطاعت جمع وتحليل البيانات الصحيحة، فستتمكن من تقديم رؤى قيمة يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا.
بينما كانت تراجع البيانات، لاحظت أمرًا مثيرًا: عدد النساء في مجالات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي قد تضاعف خلال السنوات القليلة الماضية، لكنهن ما زلن يشكلن أقل من 25% من القوى العاملة في هذا المجال. هذا يعني أن هناك تقدمًا، لكنه ليس كافيًا بعد.
فجأة، خطرت لها فكرة: ماذا لو أنشأت منصة ذكاء اصطناعي تساعد النساء في العثور على وظائف في مجالات التقنية بناءً على مهاراتهن الفعلية، وليس بناءً على الأدوار النمطية؟ سيكون النظام قائمًا على التعلم الآلي، ولكن بطريقة أكثر إنصافًا، بحيث لا تتأثر التوصيات بالتحيزات الموجودة في بيانات التوظيف التقليدية.
أخذت تكتب رؤوس الأقلام لهذا المشروع، بينما شعرت بحماس كبير. اليوم، كانت تلهم الفتيات بكلماتها، ولكن غدًا، ربما تتمكن من إحداث تأثير حقيقي عبر التكنولوجيا نفسها. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون وسيلة لتمكين النساء، ليس فقط عبر تحليل البيانات، ولكن عبر بناء أدوات تُستخدم لتحقيق فرص عادلة للجميع.
وقبل أن تغلق حاسوبها، أرسلت رسالة إلى الفتاة التي قابلتها في المؤتمر، كتبت لها:
“أعلم أنكِ تريدين أن تصبحي عالمة بيانات. سأكون هنا لدعمكِ. العالم يحتاج إلى مزيد من النساء مثلكِ في مجال الذكاء الاصطناعي، فلنبدأ الرحلة معًا.”
ابتسمت ليلى، وهي تدرك أن كل يوم هو فرصة جديدة لجعل العالم مكانًا أكثر إنصافًا، خاصة في عصر تتحكم فيه البيانات والخوارزميات في قراراتنا اليومية.
لأن الذكاء الاصطناعي، إذا صُمم بشكل عادل، يمكن أن يصبح أداةً ليس فقط للابتكار، بل أيضًا للمساواة والتمكين.