آراء حره

سر التحنيط

بقلم : د. احمد ممدوح(احمد عمارة) الباحث في التاريخ والاثار المصرية

تحنيط الموتى : هو حفظ جثث الموتى باستعمال مواد كيميائية، فيبقى جسم الإنسان محافظاً على مظهرهِ ويبدو كأنهُ حي. ولذلك فإن أساس علم التحنيط هو تجفيف الجثة تماما ومنع البكتيريا من الوصول إليها.

والتحنيط محرم في الديانات السماوية، وخاصة في الدين الإسلامي، حيث يعتبر حرام؛ لأن جسم الميت لهُ حرمته، ولا يجوز تشريحه إلا لضرورة. اما عند الفراعنة، فنظرا لايمانهم بالبعث والخلود بعد الموت بشرط عدم تحلل الجسد، حتي تستطيع الروح ان تدخل في الجسد مرة اخري، لان لو تحلل الجسد سوف تبقي الروح تائهه.

– اما طريقة التحنيط عند قداماء المصريين :

أ- قديما : عن طريق ترك الجثة فوق الرمال الحارة التي تغطيها أشعة الشمس إذ وجد أن الجثة لا تتحلل سريعا وقد ذكر هيرودوت بعض الطرق ومن هنا استطعنا اكتشاف طريقة التحنيط.

ب- حديثا :

١- استخراج المخ من الجمجمة بالشفط عن طريق الأنف باستعمال الإزميل والمطرقة للقطع من خلال الجدار الأنفي، وبعد ذلك يسحب المخ من خلال فتحة الأنف بسنارة محماة ومعقوفة واستخراج أحشاء الجسد كلها ما عدا القلب ((مركز الروح والعاطفة))، وبذلك لا يبقى في الجثة أية مواد رخوة تتعفن بالبكتريا إما بالفتح أو حقن زيت الصنوبر في الأحشاء عن طريق فتحة الشرج.

٢- ثم يملى تجويف الصدر والبطن بمحلول النطرون ولفائف الكتان المشبعة بالراتنج والعطور، وهي جميعا مواد لا يمكن أن تكون وسطا للتحلل والتعفن بالبكتيريا.

٣- ثم يتم تجفيف الجسد بوضعه في ملح النطرون الجاف لاستخراج كل ذرة مياه موجودة فيه واستخلاص الدهون وتجفيف الأنسجة تجفيفا كاملا.

٤- ثم بعد ذلك طلاء الجثة براتنج سائل لسد جميع مسامات البشرة وحتى يكون عازلا للرطوبة وطاردا للأحياء الدقيقة والحشرات في مختلف الظروف، حتى لو وضعت الجثة في الماء أو تركت في العراء.

٥- وفي أحد المراحل المتقدمة من الدولة الفرعونية الحديثة، وضعت الرمال تحت الجلد بين طبقة العضلات والجلد عن طريق فتحات في مختلف أنحاء الجثة وبذلك لكي تبدو الأطراف ممتلئة ولا يظهر عليها أي ترهل في الجلد.

٦- ثم يتم استعمال شمع العسل لإغلاق الأنف والعينين والفم وشق البطن.

٧- ثم تلوين الشفاه والخدود بمستحضرات تجميل.

٨- واخيرا، يتم لف المومياء بأربطة كتانية كثيرة قد تبلغ مئات الأمتار مدهونة بالراتنج تلون بأكاسيد الحديد الأحمر (المغرة الحمراء) مضاف لها شمع العسل كمادة لاصقة في آخر السبعين يوما التي تتم فيها عملية التحنيط.

اما انواع التحنيط:

١- تحنيط الطبقة الغنية :

يقوم فيه المحنط بتطبيق كل خطوات التحنيط السابقة كاملة مع استيراد مواد التحنيط عالية الجودة من لبنان وسوريا واليونان والصومال، وتبدأ هذه الطريقة باستخراج أنسجة المخ من الفتحة المصفوية ثم استخراج باقى الأحشاء.
 
٢ – تحنيط الطبقة الوسطي :

يتم استخراج الأحشاء بتحليلها عن طريق حقن الجسد بحقنة شرجية مملؤءة بزيت الأرز ثم يجفف الجسد وبعد ذلك يتم دهنه ولفه بلفائف الكتان، وتختلف هذه الطريقة عن سابقتها فى عدم الاهتمام بالحفاظ على أعضاء الجسد الداخلية ويستخدم المحنط مواد محلية بديلة مثل زيت الخروع.
 
٣- تحنيط الطبقة الفقيرة :

فى هذه الطريقة لا تستخرج أحشاء المتوفى ولا مخه ولكن التحنيط يقتصر على تجفيف الجسد ودهنه بالدهون ولفه باللفائف.

و كان التحنيط في مصر القديمة عملاً مقدساً يهدف إلى حفظ الجسد ليتمكن من الانتقال للأبدية في العالم الآخر كما هو معروف عن الحضارة المصرية القديمة، وتناقل المحنطون سر التحنيط شفهياً، وبالممارسة من عصر لآخر، حيث وجد القليل جداً من المخطوطات والأدلة المكتوبة التي تحمل تفاصيل عن عملية التحنيط.
وأخيراً، تمكنت باحثة دنماركية من جامعة كوبنهاغن من كشف تفاصيل إحدى البرديات، التي يعود تاريخها إلى ٣٥٠٠ سنة، حيث ترجع تقريباً إلى عام ١٤٥٠ قبل الميلاد، وتعد أقدم دليل مكتوب على عملية التحنيط، حتى الآن.

والبردية التي يدور حولها الكشف الأخير تسمى “اللوفر كارلسبرغ” (Papyrus Luvre-Carlsberg) بسبب وجود جزء منها في متحف اللوفر بفرنسا وجزء بمتحف كارلسبرغ بالدنمارك، بينما هناك أجزاء أخرى مفقودة منها لا يعرف مكانها حتى الآن، ويُرجح أن طول البردية يصل إلى نحو ٦ أمتار، وجرت الدراسة بالتعاون بين المتحفين بهدف محاولة استكشاف محتوى البردية والربط بين النص المكتوب في كل جزء للوصول إلى ما قد يثري علم المصريات لتكون النتيجة اكتشاف أقدم نص موثق عن سر التحنيط في مصر القديمة.

وتكمن أهمية دليل بردية “اللوفر – كارلسبرغ” في إعادة بناء عملية التحنيط، حيث حدد العملية بأربعة أقسام رئيسية تمثل كل منها فترة زمنية محددة، كل فترة تستمر لأربعة أيام. حيث يعمل المحنطون بنشاط على المومياء كل أربعة أيام.

ثم يتم تجهيز مواكب من الطقوس الاحتفالية، حيث تشهد هذه الأيام احتفالات بمناسبة استعادة السلامة الجسدية للمتوفى، ويبلغ عدد المواكب الاحتفالية ١٧ موكباً خلال فترة التحنيط. وفي الفترات الفاصلة بين الأيام الأربعة، كان الجسم يغطى بقطعة قماش وطبقة من القش الممزوج بالعطريات لإبعاد الحشرات.

ثم تتم عملية التحنيط على مرحلتين أساسيتين:

١- تستمر عملية التحنيط لـمدة ٧٠ يوم، وتقسم إلى فترتين أساسيتين، فترة تجفيف لمدة ٣٥يومًا وفترة تغليف لمدة ٣٥ يومًا.

٢-‘وخلال فترة التجفيف، يعالج الجسم بالنطرون الجاف من الداخل والخارج، ويبدأ علاج الجسد بالنطرون في اليوم الرابع من التحنيط بعد تنقية الجسم وإزالة الأعضاء والدماغ والعيون. وخصصت فترة الـ ٣٥يوما الثانية لتغليف المتوفى بالضمادات والمواد العطرية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى